مخطئ من يتصور أن الهجمة الشرسة التى تنهال الآن على الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ستنال منه ومن شعبيته، ففى الأشهر الأخيرة الماضية اكتسب الشعب المصرى حصانة «ما» من ألاعيب الانتخابات الدنيئة، وبدأت ثقافة الانتخابات بحلوها ومرها فى التسرب إلى الوعى بعدما عشنا عقودا طويلة فى مقاعد المتفرجين نشاهد تمثيليات الانتخابات المباركية، أما الآن فعلى ما أظن فقد تغير الأمر وما فات على الشعب المصرى تحصيله فى سنين طوال بدأ فى استيعابه فى أشهر معدودات.
وكأنى أسمع مناديا يقول: اقتلوا أبوالفتوح ليخلو لكم كرسى الرئاسة، خونوه وكذبوه، واتهموه بالاتهامات الباطلة، الآن فقط تذكروا أن أبوالفتوح «إخوانى» وأنه قابل التليفزيون الإسرائيلى مطالبا باعتراف الفلسطينيين بإسرائيل والإسرائيليين بفلسطين، متناسين أنه لم ينكر إخوانيته فى أى وقت، وأنه كان على خلاف دائم مع انحرافات الجماعة المذمومة، وأنه كان الأعلى صوتا فى إعلاء الحق والأكثر نبلا فى الانحياز إلى الحريات، والأشرف موقفا بين كل رجال الجماعة، كما أن استغلال مقابلة أبوالفتوح للتليفزيون الإسرائيلى الآن تنطوى على خسة فى الخصومة، ذلك لأن هذا الأمر أثير فى وقته، وتبين أن «أبوالفتوح» وقع فى خديعة من مراسلى التليفزيون الإسرائيلى الذين ضللوه وقالوا له إنهم تابعون لتليفزيون بريطانيا، وإنهم بريطانيون، أما التحجج بالقول إن أبوالفتوح طالب الإسرائيليين والفلسطينيين باعتراف متبادل وكأنه سبة فى جبين الرجل فإنى أتعجب، هل يطالب عاقل بغير ما يطالب به أبوالفتوح، وهل نأمل فى حل أسلم من أن يتم الاعتراف المتبادل من الجانبين والرجوع إلى حدود 4 يونيو 1967، مع الاعتراف بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين من منافيهم.
لست هنا أدافع عن شخص عبدالمنعم أبوالفتوح ولا عن تاريخه الذى لن يقدر مقطع فيديو أو تصريح مقتطع على تشويهه، ولكنى أحذر من ظاهرة تشويه السياسيين المستعرة والتى تنصب أكثر ما تنصب على رجال التغيير الذين حاربوا مبارك وأعوانه، وإن تمادينا فى ظاهرة تشويه الشرفاء بهذه الطريقة فسنجد أنفسنا واقعين فى المجهول، كما سنجد حياتنا السياسية مفرغة من الشرفاء الذى يحترمون أنفسهم ووطنهم وتاريخهم، فمازلنا نتجرع مرارة الظلم التاريخى الذى تعرض له شخص الدكتور النبيل محمد البرادعى على يد زبانية مبارك وأعوانه، ومازلنا نعانى من رجال أمن الدولة المنتشرين فى حياتنا كالسرطان وهم يبثون سمومهم فى أوردة المجتمع فيصورن الحق باطلا والباطل حقا، وإنى أتساءل: من المستفيد الآن من تفريغ حياتنا السياسية من الشرفاء غير المتآمرين الفاسدين الذين يريدون إخلاء الساحة لهم وحدهم؟
أرجوك لا تتخيل أنى هنا أصبغ على أبوالفتوح قداسة أو حصانة من النقد والاتهام، وأؤكد لك أنى مع انتقاد السياسيين إلى أقصى درجة، لكنى لست مع ذبح الشرفاء بسيف الأخساء، فمن حقى أن أنتقد من أشاء فى الوقت الذى أشاء، لكنى لست مع الدناءة فى الخصومة وأعدك بأننى سأكون أول المنتقدين لأبوالفتوح إذا ما انحرف عن جادة الصواب «من وجهة نظرى»، وأرجوك أيضا لا تحسب أنى متحيز لأبوالفتوح أو من مؤيديه فى معركة الرئاسة، وأعلنك بأنى لست ميالا لمشروعه الرئاسى لأنى أؤمن أكثر بالمبادئ الاشتراكية التى تنتمى للفقراء وتنجاز إليهم بلا مواربة ولا أجد من يمثل هذا الاتجاه إلا حمدين صباحى الذى قدم من عمره ووقته ومواهبه ما يؤهله ليتبنى هذا المشروع، لكن الخلاف السياسى شىء والعداء الشخصى الذى يصب على أبوالفتوح الآن شىء آخر.