من أكبر المشكلات التى نعانى منها الآن ونحن فى المرحلة المسماة بـ«التحول الديمقراطى»، هو أن الذين خططوا لهذه المرحلة، وعلى رأسهم المستشار طارق البشرى، لم يستطيعوا أن ينسلخوا من العصر البائد، ليؤسسوا مستقبلا حقيقيا على أسس سليمة، ولهذا ظهر أثر العصر البائد على مشروع التحول الديمقراطى كرد فعل لما سبق، وليس كفعل جديد لمستقبل جديد.
الشاهد فى هذا هو أنه ما أن تولى «الفريق الإصلاحى» مسؤولية صناعة القرار، حتى بدأوا فى تنفيذ الحد الأدنى من المطالب الإصلاحية التى كانوا يرفعونها لمبارك ويتجاهلها، ولم يدركوا- ولم ندرك نحن أيضا وقتها- أن صلاحية هذه المطالب انتهت بمجرد أن خرج الشعب إلى الشارع، وهتف بإسقاط النظام، وذلك ليس لعيب حتمى فيهم، أو لتآمرهم على الثورة، ولكن ربما يكون أيضا لأن سقف طموحاتهم كان منخفضا، ورهانهم الأول كان على الإصلاح التدريجى، وليس على الثورة التطهيرية الجذرية، ولهذا سار الجميع على النهج الذى وضعه مبارك «الإصلاحى» كما بدا فى أيامه الأخيرة، متمردين على «مبارك» المستبد فى مرحلة ما قبل الثورة.
ولأن أخطاء المرحلة الانتقالية أكبر وأكثر من أن نحصيها فى مقال واحد، سأتطرق اليوم إلى خطأ جسيم، وقع فيه مخططو المرحلة، لكن من السهل علينا أن نجد حلا له بالتوافق والضغط الشعبيين، وهذا الخطأ هو عدم النص على إجبار مرشحى الرئاسة على اختيار نوابهم قبل الانتخابات، إذ نصت المادة الخاصة بتعيين نائب الرئيس على التالى «يعين رئيس الجمهورية، خلال ستين يومًا على الأكثر من مباشرته مهام منصبه، نائبًا له أو أكثر ويحدد اختصاصاته. فإذا اقتضت الحال إعفاءه من منصبه وجب أن يعين غيره، وتسرى الشروط الواجب توافرها فى رئيس الجمهورية والقواعد المنظمة لمساءلته على نواب رئيس الجمهورية»، ومن وجهة نظرى فإن واضعى هذه المادة وهم يكتبونها كانوا يشعرون بالفخر والانتصار، فلأول مرة يجبرون رئيس الجمهورية على تعيين نائب، وقد عاشوا زمنا طويلا يناشدون مبارك ويرجونه أن يعين نائبا، وهو لا يستجيب، ولأنهم كانوا يتعاملون بنظرية رد الفعل، لم يدر بخلدهم أنهم لم يضعوا ضوابط لتعيين نائب الرئيس الذى قد يتولى إدارة شؤون البلاد فى حالة مرض الرئيس، أو سفره خارج البلاد، أو تنحيته، ولم يتيحوا للشعب أن يتعرف على نائب رئيسهم الذى قد يصبح رئيسهم فى أى وقت، ولا أن يختاروه كما يختارون رئيسهم، ولا أن تفحص لجنة الانتخابات الرئاسية أوراقه مثلما فحصت أوراق بعض المرشحين، وأثبتت عدم أهليتهم للمنصب.
الحل من وجهة نظرى فى هذه المشكلة أن نجبر مرشحى الرئاسة الحاليين على أن يعلنوا من تلقاء أنفسهم عن أسماء نوابهم فى المستقبل، لكى لا نُضلل أو نُخدع أو نُفاجأ بشخصية قد تُثار حولها علامات استفهام، ومن وجهة نظرى أيضا فإن فى إجبار مرشحى الرئاسة على الإعلان عن أسماء من ينتوون أن يعينوهم نوابا، فرصة كبيرة للتعرف على طريقة تفكير المرشح، وفرصة أيضا لنعرف إن كان منهم من يسير على نهج مبارك فى الاستفادة من القصور الدستورى والعوار القانونى الذى نحيا فيه، أم لا، ولذلك أرجو أن يتم تنظيم حملة إعلامية وشبابية كبرى تحت عنوان «مش هنتخبك غير لما أعرف نايبك» فلا يجوز أن نلدغ من رئيس مرتين، خاصة إن كانت مرة منهما بعد ثورة.