اصطدمت قضية المحامى أحمد الجيزاوى المعتقل بالسعودية بالوعى الجمعى الثورى، حيث كانت هذه رسالة الخارج العربى الساكن الرافض للتغيير فى مواجهة قوى هادرة، وسائله تبحث عن كرامتها فى كل صباح وعن حريتها بين حروف كل صيحة.
فلقد رسمت الثورة فى أيامها الأولى إطارا رومانسيا خلابا ملهما للتغيير، وبدا واضحا نافذا يوم التنحى النهاية السعيدة لاسترداد الكرامة والحرية، حيث رحل النظام مخلفا كرامة فى الميدان تنادى على المصرى برفع رأسه لأنه فقط مصرى!
وجاءت قضية الجيزاوى محكا لمحورين الأول يتمثل فى القوى المتحركة والمتفاعلة والمتباينة داخل مصر، والثانية للقوى الخارجية الرافضة للتغيير والتى تسعى للعودة للمربع واحد.
فأما الأولى فهى التفاعل بين قوى الرفض الداخلى للثورة والقوى الرعوية التى تعتمد التراث الأبوى سبيلا وحيدا، وأيضا القوى الأخرى التى تلعب دور الكفيل للثورة داخليا فهى أخذت الوكالة «أو جواز حركة الثورة»، وقررت صياغة مستقبلها وأجندتها وحدها «المجلس العسكرى»، وبين قوى الحلم والتغيير التى احتشدت عابرة لاختلاف أجيالها وطبقاتها الاجتماعية وتفاوت احتياجاتها، وكان هذا الصراع هو المشهد الوحيد طوال السنة الماضية، وهنا كانت قضية الجيزاوى نكئا للجرح الداخلى وإعادة لتصوير علاقة الكفالة المرفوضة شعبيا نتيجة الممارسات المترددة والخاطئة والتى تسير عكس خط السير للمجلس العسكرى.
والمحور الثانى الذى اصطدمت به قضية الجيزاوى هو محور الكرامة فى مواجهة الخارج فى صورة مقاومة للكفيل السعودى الذى يسلمه المصرى «جواز سفره» عند دخوله السعودية ويصبح رهن الحبس، وهنا أيضا تظهر نتوءات فى قلب الثورة المصرية من مقاومة بعض الدول العربية لثورتنا وحزنها على النظام السابق وتفعيل أدوات إعادة إنتاجه فى صورة دعم الفلول وقوى الردة للوراء، وتتجلى أيضا صور رفض الوصاية وتغليب إطلاق قوى المراجعة والمحاسبة والمواجهة فى صورة المحامى المصرى الذى يختصم النظام السعودى فى المحاكم المصرية لإعلاء قيم الكرامة ورفض التبعية والوصاية، ولمقاومة بطش النظام السعودى لبعض المصريين فى سجونه دون مراعاة لشعور الشقيقة الكبرى مصر.
تم احتجاز المحامى المصرى دون وجه حق بشهادة المطار المصرى الذى صرح بأن حقائبه كانت خالية من أى مواد مخدرة، وأيضا بإفصاح احتجاز غير شرعى وغير معلن لمدة أسبوع من القوات السعودية، وتلك الممارسات التلفيقية قلنا لها فى مصر «كلنا خالد سعيد» وقامت ثورة الكرامة والحرية.
عندما ثار الوعى الجمعى الثورى لأحمد الجيزاوى لم يكن ليثور لقضية جنائية أو ضد دولة تمارس سلطتها الطبيعية فى التدقيق الجنائى، ولكنها ثورة ضد البطش والتنكيل والانتقام من مصرى يعمل على مواجهة تلك الدول وممارساتها تجاه العمالة المصرية بوسائل سلمية، وذهب بحسن نية ليقوم بعمل المناسك معتبرا أن الشعائر الدينية ليست ملكا لدولة ونظام ولكنها ملك لدين ولإله واحد لا يرضى بالظلم وإهدار الكرامة وترويع الآمنين والاستعلاء فوق أمة حفرت اسمها فى ممر التاريخ بأظافرها وبدون حاجة إلى نفط أو ريال.
بات واضحا أن القوى المتحركة ذات الروافد الثورية ستظل تعانى من مقاومة الداخل والخارج، فلا هى ستقبل الوضع على علاته كما قبلتها فيالق من المجتمع ارتضت الاستكانة وجلست القرفصاء فى مواجهة حركة هادرة تموج بالضمير، وكفلت بذلك المقاومة ومحاولة الارتداد للخلف، وبين قوى خارجية استاتيكية تكرس الرفض وتكفل المواجهة لكل تغيير خارجها خوفا من أن تصيبها عدوى لا تبقى ولا تذر.