لا يجب أن يكون لأى حزب أو جماعة سلطة تعلو على المصالح المهنية والوطنية، وإلا عدنا إلى التسلط، الذى مازلنا نعانى من أعراضه. حزب الإخوان فاز بالأغلبية فى انتخابات أكثر نزاهة من السابق، لكن لاتزال لديهم مشكلة الخلط بين الجماعة والحزب، وبين الانتماء الحزبى والنقابى، وهى أزمة مطروحة فى كل النقابات التى فاز فيها الإخوان، والفصل بين الجماعة وحزبها من جهة، وبين النقابة من جهة أخرى، ويبدو أن هناك صعوبة فى الفصل بين الحزبى والنقابى أو الوطنى العام.
نقول هذا بمناسبة موقف نقيب الصحفيين ممدوح الولى مع النقابة، حيث بدا منحازا للجماعة على حساب النقابة، فقد تجاهل هجوم المرشد العام للجماعة، الدكتور محمد بديع، على الصحافة ووصف من ينتقدون الجماعة بسحرة فرعون. الولى اتخذ موقفا مائعا من تهديدات المرشد، واعتبرها حرية رأى، متجاهلا مبدأ الحريات كأساس للديمقراطية، كما تجاهل هجمات وانتقادات نواب الجماعة.
فلما جاءت أزمة تأسيسية الدستور وانسحب ممثلو القوى المدنية والأزهر والكنيسة اعتراضا على تسلط الأغلبية، اختار نقيب الصحفيين موقف الجماعة، ورفض الالتزام بمطالب الصحفيين وأغلبية مجلس النقابة التى ترى ضرورة الانسحاب.
لقد كانت نقابة الصحفيين دائما تعلو على الانتماءات الحزبية، وفى أكثر أزمنة التسلط حدث هذا مع نقباء كبار للصحفيين مثل كامل زهيرى نقيب النقباء الذى أرسى مبدأ العضوية كالجنسية، وتصدى للرئيس السادات عندما كان يريد إسقاط عضوية المعارضين من النقابة، ومنهم يساريون وإخوان، ومثله جلال عارف الذى كان يخلع انتماءه كناصرى ويعمل كنقيب لعموم الصحفيين حتى الذين لم ينتخبوه، وحتى نقباء مثل إبراهيم نافع أو مكرم محمد أحمد، بالرغم من انتمائهم للنظام وكونهم مدعومين منه انحازوا فى مواقف كثيرة ضد النظام، واضطر نقيب الصحفيين الأسبق إبراهيم نافع -وكان معروفا أنه نقيب النظام فى أزمة القانون 96 لسنة 95- أن ينحاز إلى الجمعية العمومية للصحفيين فى رفض القانون، وإذا تناقضت مواقف النقابة مع مواقف الحزب الذى ينتمى إليه النقيب كان الاختيار ينحاز للمهنة والحريات والنقابة، وتعلو فوق التحزب، مهما كان انتماء النقيب وأعضاء مجلس النقابة.
هذه المرة النقيب ينتمى لجماعة الإخوان التى تمثل أغلبية البرلمان، ومازال عاجزا عن حسم الاختيار لصالح المهنة والقضايا الوطنية، وقد كان هناك مبدأ أن النقيب ومجلس النقابة يخلعون أرديتهم الحزبية على الباب، ويدخلون نقابة مهمتها الدفاع عن مصالح أعضائها وعن الحريات فى مواجهة السلطة، أى سلطة، وأن يكون الحق والعدل فوق الحزب والجماعة، وأن يكون الوطن فوق الحكومة والجماعة.
والخوف أن يظل التداخل بين الحزبى والنقابى والوطنى، فيضر بالجميع، ويعيد إنتاج التسلط من جديد، وعلى ممدوح الولى الاختيار بين أن يكون نقيبا للصحفيين، أو نقيبا لجماعة الإخوان.