يا أعضاء المجلس الموقر لشعبنا المنكوب، دستورنا أم دستوركم؟ لا يهم، نحن وأنتم «شىء» واحد، فأنتم منا ونحن منكم، فالمهم أن يكون للوطن دستور، لكننا بهذه المناسبة لسنا «شيئًا» ولكننا «مواطنون لا رعايا» كما قال عمكم وعمنا «خالد محمد خالد» قبل ذلك فى وجه زعيم الأمة «جمال عبدالناصر»، ذلك الدستور الذى يحافظ على جميع أفراد الشعب المنكوب بصفتهم «مواطنين» هو الدستور، ذلك الذى يتشكل من ضمير الأمة المصرية العريقة، لينحت لنا مجموعة المبادئ الأساسية المنظمة لسلطات الدولة والمبينة لحقوق كل من الحكام والمحكومين فيها بدون التدخل فى المعتقدات الدينية أو الفكرية، وبناء الوطن على الأسس الإنسانية، ولأن كلمة «الدستور» بالمعنى الذى تستخدمه الإنسانية جمعاء الآن لم ترد فى أية بردية أو جدارية على أية مقبرة فرعونية، بل إن اللغتين الهيروغليفية والديموطيقية لم تعرفا هذه الكلمة على الإطلاق، كما أن كل قواميس ومعاجم اللغة العربية القديمة لم تعرف كلمة «الدستور»، هذه الكلمة السحرية التى تشكل الموجز العبقرى للإطارات التى تعمل الدولة بمقتضاها فى مختلف الأمور المرتبطة بالشؤون الداخلية والخارجية، بل إن هذه الكلمة بالمعنى الذى تستخدمه الإنسانية جمعاء لم ترد فى التراث الإسلامى والعربى كله، بالرغم من أن الخبراء باللغة والقوانين وأنظمة الحكم يرجحون أن كلمة «الدستور» كلمة فارسية مركبة من كلمتين: «دست» بمعنى «القاعدة» و«وور» أى «صاحب» ويرجح الخبراء أن هذه الكلمة الفارسية الأصل دخلت اللغة العربية عن طريق اللغة التركية، ويقصد بها التأسيس أو التكوين، ويا أعضاء المجلس الموقر نذكركم بأن الأساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير تتم بإحدى طريقتين: إما الجمعية التأسيسية المنتخبة «حيث يتاح للشعب فرصة انتخاب ممثليه ليقوموا بهذه المهمة»، وإما الاستفتاء الدستورى «حيث يتم وضعه بواسطة جمعية نيابية منتخبة من الشعب أو بواسطة لجنة حكومية أو بواسطة الحاكم نفسه، ثم يعرض على الشعب فى استفتاء عام، ولا يصبح الدستور نافذًا إلا بعد موافقة الشعب عليه»، ولم يرد خبر عن تكوين الجمعية التأسيسية لوضع دستور أية أمة بواسطة أى برلمان على الإطلاق، ولأن الأمة تريد دستورًا يسمو فوق كل الرؤوس مهما كان غطاء الرأس الذى ترتديه، لأن كل الأمم المتحضرة تعتبر أن «الدستور» هو الجهة الوحيدة التى تنشئ السلطات الحاكمة وتحدد اختصاصاتها، وعلى هذه السلطات احترام الدستور، لأنه السند الشرعى لوجودها، ويؤدى إلى تأكيد مبدأ المشروعية ومبدأ تدرج القواعد القانونية وخضوع القاعدة الأدنى درجة للقاعدة الأعلى درجة، كما أن الاختصاصات التى تمارسها السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مفوضة لهم بواسطة الدستور فلا يحق لها تفويض اختصاصاتها لجهة أخرى إلا بنص صريح من الدستور، الدستور هو الذى ينشئ السلطات والبرلمانات ويعطيها شرعيتها وليس العكس، فليس من حقكم - كأعضاء برلمان - أن تنشئوا دستورًا للأمة وليس لكم الحق حتى فى عضوية اللجنة التأسيسية إلا إذا جئتم بواحد من الاختيارات السالفة الذكر، أم أنكم متأكدون من عدم صلاحيتكم لأى من هذه الاختيارات؟ عودوا لضمائركم رحمكم الله.