انتهازيون وانقلابيون.. هذا أقل وصف يمكن أن نصف به العدد الذى سافر من الأقباط المصريين إلى إسرائيل بحجة الاحتفال بعيد القيامة المجيد للسيد المسيح عليه السلام.
انتهزت هذه القلة انشغال الكنيسة بإجراءات اختيار البابا الجديد، وسارعت إلى السفر لدولة الكيان الصهيونى والقدس المحتلة، وانقلبت على قرارات البابا شنودة الثالث بمنع السفر والتطبيع مع إسرائيل منذ أكثر من 30 عاما، تضامنا مع القضية الفلسطينية وموقف الشعب العربى المناهض للتطبيع، وقال يومها البابا شنودة قولته الشهيرة «لن ندخل القدس إلا مع إخواننا المسلمين، ولن أدخلها إلا ويدى بيد شيخ الأزهر».
لم يكن الرجل بوعيه الوطنى وانتمائه القومى يريد أن تكون الكنيسة هى «كعب أخيل» الذى ينفذ منه الصهاينة إلى الجسد المصرى الرافض لهم، بل ظلت الكنيسة المصرية هى رأس الحربة التى قاومت التطبيع رغم محاولات الغرب وإسرائيل تنحية الأقباط عن الصراع العربى الإسرائيلى.
وطوال تلك الفترة تفاعل الأقباط المصريون مع قرارات البابا شنودة، والتزموا بها وبتعاليمه، إلا أقل القليل الذى نال عقابه بالحرمان من الطقوس الكنسية، وواجه البابا أيضا بكل صلابة وإرادة حملات شرسة من رموز قبطية فى الداخل والخارج للعدول عن قراره بمنع سفر الأقباط للقدس، وأتذكر فى أوائل التسعينيات، وفى ندوة بنقابة الصحفيين، أن رد البابا شنودة على معارضيه بالقول: «من أراد التبرك بالمياه المقدسة فى القدس فعليه أن يشرب من مياه النيل، فقد عاش السيد المسيح والسيدة مريم فى مصر أكثر من ثلاث سنوات، وشربا من نيلها».
لا نريد من هؤلاء الذين انقلبوا على قرارات البابا شنودة أن يكونوا بوابة العبور الإسرائيلى لكسر صلابة المجتمع المصرى بمسلميه ومسيحييه فى مناهضة التطبيع، فالكنيسة المصرية ستظل ركنا أصيلا داعما للوطنية المصرية وللقضايا القومية، وفى القلب منها قضية فلسطين، ولن ترضخ لابتزاز بعض التجار والانتهازيين.
ومن هنا نوجه التحية والتقدير إلى الأنبا أبراهام، مطران القدس والشرق الأدنى، والقس ميصائيل، كاهن كنيسة القديسة هيلانة، وهى الجزء المصرى فى كنيسة القيامة، على موقفهما الرافض لاستقبال المسيحيين المصريين الذين سافروا لإسرائيل، ومنعهما المخالفين من الصلاة أو ممارسة الطقوس الكنسية، احتراما لتعليمات البابا شنودة فى غيابه، أكثر مما كان فى حياته.
مسؤولية الحفاظ على وطنية وقومية الكنيسة المصرية مثلما كانت فى عهد البابا شنودة تقع على عاتق البابا القادم.