فى يوم واحد رجعنا إلى الخلف عشرات السنين، فها هى ذكريات هجوم الجماعات الإسلامية الإرهابية على المسالمين تأتى بلا هوادة، فرجعنا إلى وقت أن كانت لغة «الجنزير» هى لغتهم الرسمية، والاتهام بالتكفير هو الاتهام الأسهل، فها هم أتباع الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل يدمرون منصة القوى السياسية المدنية ليحفروا لأنفسهم خزيا وخذلانا تاريخيا كبيرا، فلأول مرة فى تاريخ الميدان يتم تدمير منصة، وهو الشىء الذى نجح فيه أنصار أبوإسماعيل الذين كان البعض يحسبهم فصيلا ثوريا يعرف أخلاق الميدان ومحرماته، ومنها عدم التعرض بالقول أو الفعل لأى أحد مهما كان مخالفا، لكن ها هى الأيام تأتى بما كان خافيا، لنعرف أية حرية يتقنها أتباع الشيخ، وأية لغة يتكلمون بها مع مخالفيهم.
أتعجب من كيفية الانهيار السريع للقيم التى تعلمناها فى الميدان، وتنكرنا للمكتسبات العظيمة التى سال دمنا من أجلها، وأتعجب أيضا من نسياننا لثوابت الثورة وتدميرنا لكل شىء إيجابى مارسناه وأحببناه، وتدعيمنا لكل قبيح اقتحم علينا حياتنا فأنسانا أنفسنا وتحضرنا وجمالنا، ويشاء الله أن يترشح عمر سليمان للرئاسة فى ذات اليوم الذى يحدث فيه تلك الواقعة المشينة، وأن يطلع علينا رجل الأعمال النابه رامى لكح ليدعى أن سليمان «حمى» الثورة، وأنه سيصبح مرشح حزبه فى الانتخابات، فى استمرار واضح ومفضوح لسياسة استغفال الشعب المصري، وتدمير الثورة ومكتسباتها.
ها هو أيضا ذلك المذيع المتنكر فى صورة شيخ يظهر فى الميدان بعدما أوسع ثواره شتما وقدحا واتهاما، مخرجا من فمه كل قيح عفن، ومستخدما فى عدائه كل أساليب الوقاحة والاسترخاص، ولا يعرف الواحد ما الذى جمع هذا الذى وصفه الثوار بالديوث الذى لا يغار على بنات بلده بالشيخ المناضل الثائر حازم صلاح أبوإسماعيل، برغم ما يقال عن هذا المذيع من اتهامات، وبرغم ما يثار حوله بشأن علاقته بأمن الدولة من شبهات، فقد نسى هذا الشىء أنه هو ذاته هاجم أبوإسماعيل حينما كان ينزل إلى الميدان، وأنه وصفه مستنكرا بأنه «ملوش كبير»، وأنه على خلاف سياسى دائم معه وقت أن كان يناصر الثورة والثوار.
لقد عدنا إلى نقطة الصفر، فها هى جماعة الإخوان المسلمين ترسل مندوبيها إلى رحلة حج قصيرة الأجل للبيت الأبيض، ليطمئنوا سادة البيت على الأقليات وحقوق الإنسان باذلين أقصى درجات التدنى للأمريكان فى الوقت الذى يتعاملون فيه بمنتهى الصلف والغرور والتكبر مع إخوانهم المصريين وكأنهم مبارك ذاته، وها هى ذات الجماعة تخلع على مرشحها فى الرئاسة «خيرت الشاطر» ألقابا عديدة مسبحين بحمده ومعددين محاسنه التى لا يعلمها أحد إلاهم، فهو يوسف مصر وهو مانديلا مصر وهو مهاتير مصر وهو أردوغان مصر، مستعيدين أبشع ذكريات الاستبداد وهو تأليه الحاكم وخلع الأسماء والصفات والألقاب عليه ترسيخا لعصمته ورجاحته الزائفة، تماما كما كان يفعل صدام حسين الذى أطلق على نفسه 99 اسما متشبها بالله، وكأنها أسماؤه الحسنى، لكن الجديد فى الأمر أن الجماعة لم تنتظر حتى يتولى الشاطر الحكم لتمارس مفردات هواية الاستبداد، وبدأت ماراثون التقديس وهو فى «اللفة» مرشحا.
وبرغم أن الصورة قاتمة والأخبار مؤلمة، لكننى على يقين بأن كل ذلك زبد، فالثورة مثل الشمس تشرق أحيانا وتغرب أحيانا لكنها حاضرة فى القلوب مادمنا نؤمن بها، وللثورة رب يحميها وشباب يعيشونها ويذودون عنها.