هذه سطور لا علاقة لها بالشأن الداخلى، لا علاقة لها بصراعات الإخوان مع أبو الفتوح، ولا بما يحدث أمام وزارة الدفاع، ولا بالجنون الحاصل فى أزمة مصر مع السعودية، ولا عملية اللبن والسمك والتمر الهندى المعروفة مسبقا بالجمعية التأسيسية لوضع الدستور.. هذه السطور كتبها أسير فلسطينى اسمه رزق على خضر، من بيت لحم، تم اعتقاله من قبل قوات احتلال الكيان الصهيونى عام 1993 وحكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة.
«قبل الاعتقال كنا ندرك تماماً أننا سائرون على طريق ملىء بالأشواك، ونحن نعرف أنها ممر للحريات، وثمنها الدماء والتضحيات لا البكائيات، إن الحركة الأسيرة تمر اليوم فى منعطف خطير وهجمة شرسة من قبل مصلحة السجون وأجهزة أمنها، تستدعى من الكل التوحد، ونُصرة قضيتها العادلة والتى تستحق وقفة جادة وحقيقية أمام ما نتعرض له من ممارسات قمعية، تتمثل فى التفتيش العارى، والاقتحامات الليلية لغرف الأسرى، وإذلال عائلات الأسرى أثناء الزيارات والعقوبات الفردية والجماعية والعزل الانفرادى، وحتى لا نثير القلق جرّاء هذه الممارسات اللاإنسانية، فإننا نطمئنكم بأننا لا نُسلم أبداً بإجراءاتهم بل نتصدى لها بكل كرامة وعنفوان وشموخ، وبقوة إرادتنا.
إسرائيل والسلام كلمتان على طرفى نقيض لا تلتقيان ولا تمت إحداهما للأخرى بصلة، ولا يزال كل فلسطينى يذكر مقولة موشيه ديان وزير الحرب الإسرائيلى: بـ«أن شرم الشيخ بدون سلام أفضل من سلام من دون شرم الشيخ»، والمأفون شامير فى ذكرى ميلاد جابوتنسكى حين قال: «لدينا تجربة كافية، لذلك فإننا لن نعيد مرة ثانية الأرض مقابل السلام، ولكن السلام مقابل السلام» ونتنياهو فى قوله: «القدس بدون سلام أفضل من سلام بدون القدس»، فجميعهم يرى أن سياسة الأمر الواقع بقوة السلاح أفضل من تحقيق السلام.
نحن الأسرى وإن كنا كالجبال التى لا تتزلزل وإن اشتدت الريح، إلا أنّ رياح العدو الداخلى الذى يتمثل فى الانقسام السياسى والجغرافى، الذى شطر الوطن إلى شطرين استنساخاً لسايكس بيكو مصغر قد تمكن منا، لأن العدو من داخل البيت أخطر من ألف عدو من خارج البيت، هذه الفتنة وهذا التفكك للوحدة الوطنية والتى ناضلنا ضد المحتل تحت شعارها ورايتها قضّت مضاجعنا وأصابتنا فى مقتل، وما يؤسف له أنها من صنع محلى بامتياز والأكثر إيلاماً أن ما فشل به الاحتلال نجحنا نحن به بتفوق.
إن الانقسام المقيت قد جعل كل واحد فينا آخراً للآخر، وأصاب فلسطين وقضيتها وشعبها بجرح عميق، ولذلك أوجه حديثى لكل من كان سبباً فى الانقسام، أن فلسطين لم ولن تكون خدمة للأيديولوجيات، بل إن الأيديولوجيات إذا أرادت أن تثبت شرعيتها يتوجب عليها أن تكون فى خدمة فلسطين وقضيتها، كما أنّ سكين التقسيم حين يتعلق الأمر بالتراب الوطنى يكون بلا مقبض، وأول ما يفعله هو بتر الأصابع التى تمسك به.
من هنا أتوجه لكل قادة الفصائل على الساحة الفلسطينية، وقبل أن يتسع الخرق على الراتق، بأن سيروا إلى المصالحة ولو ببطء، سيروا إلى المصالحة وأنتم مدركون أن الانقسام ألحق بقضيتنا وشعبنا من الأذى والضرر ما اقترب من أدنى وضرر الاحتلال، فليجمعكم ما تتفقون عليه ولا يفرقكم ما تختلفون عليه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة