لا أستطيع أن أخفى فرحى وابتهاجى وارتياحى لاختيار معظم التيارات السلفية المؤثرة المرشح المستقل عبدالمنعم أبوالفتوح ليراهنوا عليه فى انتخابات الرئاسة، إذ يحمل هذا الاختيار بشائر تاريخية لمدى القابلية للانفتاح عند التيارات السلفية الموصومة بالانغلاق والتحجر، فإذا بهم يفاجئوننا باختيار أبوالفتوح وهو المقيم دوما على يسار التجربة الإسلامية بشكلها الكلاسيكى، والممهور بخاتم الحداثة والليبرالية، فقبل إجراء عملية التصويت التى فاز فيها أبوالفتوح بأغلبية كاسحة وكانت هناك تكهنات قبل إعلان هذا الاختيار بأن الدكتور محمد مرسى المرشح الإخوانى سيكون مرشح السلفيين، وبالغ بعض الناطقين باسم الإخوان فى كل مكان موحين بأن أصوات السلفيين «فى جيبهم الصغير» فإذا بشيوخ السلفية يتقمصون دور «عم جاليليو» فى فيلم شارع الحب، لينطلق الصوت معلنا التحدى «انت اللى هتغنى يا منعم» ليخرجونا من عباءة الإخوان متحدين هيمنتهم وإقصاءهم للآخر، وهو التحدى المبهج على أى حال.
لا أستطيع هنا أن ألوم التيارات السلفية على اختيارها، فالدكتور عبدالمنعم من أرقى وأنبل الشخصيات المحسوبة على التيار الإسلامى، كما أن مكانته فى جميع الأوساط الفكرية والسياسية عالية ورفيعة، لكنى ولكى أكون منصفاً لم أكن مرتاحاً لتقسيم المرشحين على أساس دينى مذهبى، وذلك لأن تيارات الفكر السلفى التى اختارت أبوالفتوح حصرت فكرة الاختيار بين مرشحى الرئاسة على ثلاثة أسماء بعينها، وهم الذين ينحدرون من خلفية إسلامية واضحة، فدارت الاختيارات ما بين «أبوالفتوح» و«مرسى» و«العوا» متجاهلين أن هناك مرشحين آخرين على قدر كبير من المسؤولية والالتزام والعمل الوطنى المخلص، وهذا التجاهل المتعمد لرجال على شاكلة حمدين صباحى وخالد على وأبوالعز الحريرى يدل على أن تلك التيارات لا تعمل من أجل الوطن فحسب وإنما تعمل من أجل تدعيم تيارها، ويدل أيضاً على أن عقلية نفى الآخر وإقصائه عن كل شىء مازالت متحكمة فى عقول إخواننا السلفيين برغم ما أبدوه من انفتاح باختيار أبوالفتوح.
«سنختار بين المرشحين الإسلاميين الثلاثة» هكذا قال إخواننا السلفيون قبل عملية الاقتراع، ولا أعرف متى سيتعلم إخواننا السلفيون من دروس «البلكيمى وأبوإسماعيل والشاطر» الذين أساؤوا للإسلام بإلصاق صفة «الإسلامى» على أنفسهم، ليتحمل الإسلام عنهم ويلات أفعالهم، ولا أعرف أيضاً ما المقصود بكلمة «إسلامى» التى حددوها شرطا لاختياراتهم، وإنى أرى أن فكرة حصر الاختيارات بين هؤلاء المرشحين فقط تحمل فى طياتها تكفيرا صراحا لغيرهم، وكأن مقابل المرشح الإسلامى هو المرشح الكافر، وفى ذلك مزايدة على إيمان بقية المرشحين، وتشكيك فى إسلامهم وانتمائهم للدين الإسلامى الحنيف وتعاليمه السمحة ومبادئه الرفيعة.
كان الأولى أن يعلن التيار السلفى أنه سيفاضل بين كل المرشحين، ثم يجرى عملية التصويت ليفوز بأصواتهم من يفوز، وكنت أتوقع من الدكتور أبوالفتوح – على الأقل – أن يرفض فكرة تقسيم المرشحين على أساس الانتماء لمدرسة الإسلام السياسى من عدمه، وليسمح لى الدكتور أبوالفتوح الذى نفتخر بأن يكون مرشحاً للرئاسة بأن أختلف معه فى هذه الجزئية، فليس بمستبعد على من يسمح باختياره مرشحا على أساس دينى، أن يميز بين أبناء الوطن الواحد على أساس دينى أيضاً، وأن يضع مادة فى الدستور الجديد تجرم على إخواننا المسيحيين حلم الترشح للرئاسة، وهو الحق الذى أقر به الدكتور عماد عبدالغفور رئيس حزب النور سابقا.