التخلص من حكم الفرد الواحد أو الحزب الواحد يحتاج إلى أن ننتقل من حكم الأفراد إلى حكم المؤسسات.. عندما كان الحزب الوطنى يحتكر السلطة ومفاتيح الثروة كان يصر على أنه يفوز فى الانتخابات لأنه حزب شعبى يعرف ما يريده المواطنون، وكان يزايد على أنه هو وحده الذى يعرف مطالب الجماهير، وغيره من الأحزاب المعارضة لاتعرف، وكان خوف الحزب الوطنى من السقوط يجعله دائما حريصا على إقامة حلف مع أجهزة الأمن، وكان جهاز أمن الدولة يدير الانتخابات والعملية السياسية لصالح الحزب الحاكم، وفى كثير من الأحيان كان خصوم الحزب الوطنى وخصوم مبارك يصنفون على أنهم أعداء لمصر، ولهذا كان الولاء أهم من الكفاءة فى شغل المناصب الكبرى.
بل حتى المعارضة فقد كانت تحصل على ما تحصل عليه ليس حقا وإنما ثمن للعب دور معارضة ديكور، وكانت هناك أسماء تصنف على أنها معارضة ويتم الدفع بها ومساندتها والتزوير لها لتنجح وتحصل على وظيفة معارضة لتعمل ضمن الخط المرسوم، وكانت الفكرة أن المنصب أو الموقع ثمن للولاء.
بعد تنحى مبارك وغياب الحزب الوطنى من الصورة، لم يعد هناك ولاء مباشر من أجهزة الأمن لتيار أو حزب أو فرد، ولهذا فإن الصراع الدائر من شهور يدور حول امتلاك مفاتيح القرار والبيروقراطية وأجهزة الأمن، وتجرى عمليات لاختبار الولاء، ومدى استعداد القيادات القائمة لنقل ولائها من الوطنى لحزب الأغلبية، أو إقصاء من لا يريد التعاون واستبدال من هو أكثر ولاء به.
وجزء من الجدل القائم -حول تعيين الحكومة- بين الإخوان والمجلس العسكرى يدور حول امتلاك أدوات القرار، فهم يعلمون أن حصولهم على حق تعيين الرجل الأول فى كل وزارة أو جهاز يمنحهم القدرة على التحكم فيما تحتها، لينتقل ولاء القيادات الحكومية والإدارية والأمنية من الحزب الوطنى إلى الإخوان، ونفس الأمر فى الأجهزة الأمنية التى كانت حتى وقت قريب تتعامل مع الجماعة على أنها محظورة، غيرت وجهتها، وتصنيف الجماعة، التى انتقلت إلى مقاعد البرلمان.
وهذا هو مكمن الصراع الحقيقى، الذى يمكن أن يعيدنا إلى حكم الفرد وحكم الحزب أو الجماعة، بينما النظم الديمقراطية تكون فيها الأجهزة الحكومية والأمنية تابعة للدولة بالمفهوم العام، وهو ما نسميه دولة المؤسسات، حيث لا يختلف أداء هذه الأجهزة فى أمريكا فى وجود الحزب الجمهورى عنه مع الديمقراطى ولا فى وجود اليمين واليسار فى فرنسا.
ولعل هذا هو جزء من الجدل القائم حول الدستور وشكل الدولة، وهو أكبر من خلاف حول تعيين حكومة أو إقصاء مسؤول، لأنه يتعلق بالمستقبل ويحدد إذا ما كنا نتجه لدولة مؤسسات ديمقراطية، أم أننا ننقل العطاء من حزب حاكم لآخر.