عرفت مصر بعد ثورة 25 يناير المجيدة وزيرين للثقافة شرفا هذه الوزارة جاءا من الميدان «الثقافى والنضالى»، هما الدكتور «عماد أبوغازى» الذى عرفته فى سجن طرة سنة 1980 والدكتور «شاكر عبدالحميد» الذى عرفته فى بداية الثمانينيات، لكن ما لبث «عماد أبوغازى» كمفكر وطنى محترم دفع شبابه ثمنا لحرية الوطن أن قدم استقالته احتجاجا على ما قامت به أجهزة الأمن من قتل لشباب الثورة، وجاء الجنزورى وبدأنا لعبة التكهن بأسماء الوزراء فى وزارته، وفى جلستى مع الصديق الروائى الموهوب «مكاوى سعيد» تبادلنا التكهن باسم وزير الثقافة الذى سوف يخلف «عماد أبوغازى» فقال لى الصديق «مكاوى سعيد» أنه ليس أمامه سوى اسمين هما «أحمد مجاهد» و«شاكر عبد الحميد» واتفقنا على أنهم حتى يحسنوا وجوههم فإن الدكتور «شاكر» هو الأقرب، ولأنه كان معنا فى ميدان التحرير منذ اليوم الأول لثورة 25 يناير المجيدة وفى الحركة الوطنية منذ أن كان طالبا فى كلية الآداب فى بداية الثمانينيات، وعندما تقابلنا حكيت له ما دار بينى وبين «مكاوى سعيد» وطلبت منه أن يقبل الوزارة فى حالة كونها وزارة إنقاذ، فدهش الدكتور «شاكر» وضحك وقال إن هذا نوع من التنجيم وأنه لا يتصور اختياره وزيرا فى هذه المرحلة، فأكدت له أنهم سوف يحرصون هذه المرة على تحسين وجوههم وسوف يختارونه وزيرا، وفى صباح اليوم التالى استيقظت من نومى على اتصال منه يقول لى أنه بالفعل قد حدث ما كان يعتبره ضربا من التنجيم، وأكد لى أنه لن يقبل الوزارة إلا إذا حصل على تأكيد بأنها «وزارة إنقاذ» حقيقية، ولم يحدث بيننا بعد ذلك أى اتصال حتى لحظة كتابة هذه السطور بعد أن ترك الرجل الوزارة غير آسف عليها، «شاكر عبدالحميد» صاحب رسالة الدكتوراه العبقرية فى تخصص «علم نفس الإبداع» من جامعة القاهرة، عميد المعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنون، المتخصص فى دراسات الإبداع الفنى والتذوق الفنى لدى الأطفال والكبار والناقد الأدبى والتشكيلى الكبير، ودراساته الأدبية تشهد له بعمق الفكر التى نشرها فى كبريات المجلات والدوريات الثقافية المحترمة منذ منتصف الثمانينيات، وهو صاحب الدراسة الفذة «المرض العقلى والإبداع الأدبى» وغيرها من الدراسات عن كتاب القصة القصيرة والرواية العربية، صاحب دراسات الطفولة والإبداع التى تهتم بمستقبل الطفل المصرى منذ دراسته الرائدة «التفكير المنطقى وعلاقته بنشاط الرسم لدى الأطفال» فى مجلة علم النفس وما تلاها من دراسات يمكن اعتبارها نوعا من الإبداع فى حد ذاتها، صاحب عشرات الترجمات المهمة التى أسهمت كثيرا فى الأدب وفى علم النفس منذ أن نشر كتاب «الأسطورة والمعنى» تأليف «كلود ليفى شتراوس»، صاحب المؤلفات القيمة التى بدأها سنة 87 بكتابه «العملية الإبداعية فى التصوير» المنشور فى سلسلة عالم المعرفة التى تصدر بالكويت، اليوم يعود الدكتور «شاكر» بعد أن أبدى لهم عدم رغبته فى الاستمرار معهم، يعود لتلاميذه فى كلية الآداب أستاذا أكاديميا يحترمه ويقدره الجميع، يعود لإبداعاته فى النقد الأدبى ويشرع قلمه مصباحا، يضىء لشباب الوطن مستقبلا لا بديل عن تحققه سوى الضياع، يعود إلى الميدان حاملا معه الندى ونشيدا عذبا للحرية وبريقا للحضارة وعشق الوطن، كما كان يعشقه طوال عمره.