بينما الخناقة على أشدها فى مجلس الشعب حول استخدام دور العبادة فى الدعاية الانتخابية ومنع وزارة الأوقاف القيام بأى دور سياسى ترويجى شخصى أو حزبى لمرشحى الرئاسة، وتأفف نواب حزبى النور والحرية والعدالة من هذا المنع الصورى، كانت السرقة حاضرة لكل من مسجدى ألجاى اليوسفى وقجماس الإسحاقى الشهير بمسجد «أبوحريبة» المرسوم على عملة الخمسين جنيها بمنطقة سوق السلاح بالدرب الأحمر، لم يجد السارقون حرجا من اقتحام بيت الله وتشويهه وسرقة المطرقة الحديدية المثبتة على بابى المسجدين، ولم يجدوا أيضا من يدافع عن هذين المسجدين، لا شرطة وأمن الآثار ولا حراس الأوقاف ولا إخواننا الذين يدعون أن بيوت الله ملك لهم، سرق اللصوص مطارق الباب، ومن يسرق الباب يقدر بلا شك على سرقة ما وراء الباب، وخلف الباب تاريخ وعلم وحضارة ودين وفن وآثار، ولو كان خلف الباب أصوات انتخابية لوجد الباب ألفا من أصحاب المصالح يتصارعون عليه ويذودون عنه ويقاتلون فى سبيله.
لم ينتبه إخواننا فى مجلس الشعب إلى هذه السرقة ولم نسمع عن طلب إحاطة أو استجواب لأى مسؤول عن سرقة الآثار المتكررة، وكأن الأمر لا يخص أحدا إلا الموجوعين من تبديد تاريخ هذا البلد وتدمير آثاره النادرة وتحفه المعمارية الخالدة، يدعون أنهم يقدسون مصر المدنية ذات المرجعية الإسلامية ويغضون الطرف عن الآثار التى تؤكد الهوية الإسلامية لمصر وتضعها تاجا فوق كل مدعى الحضارة والمزايدين على التاريخ، لا يعرف نوابنا أنهم يشاهدون أحد هذين المسجدين كل يوم مرسوما على العملة الورقية فئة الخمسين جنيها، وهو مسجد قجماس الإسحاقى الذى بنى فى العام 1479، فهو يعد واحداً من أهم المساجد التى أنشئت فى عصر المماليك الجراكسة ويتميز بسماته المعمارية والزخرفية المدهشة باعتباره واحدا من المساجد المعلقة التى كانت تعكس حالة التكامل المجتمعى مع المسجد، وتؤكد أن دور المسجد كان عظيما فيما مضى وقت أن كان لخدمة المجتمع لا لخدمة المرشحين، حيث بنى أسفل واجهات المسجد مجموعة من الدكاكين التى كانت تؤجر ويستغل ريعها فى الإنفاق على عمارة المسجد وإصلاحه وخدمة أهالى المنطقة وفقرائها، أما مسجد ألجاى اليوسفى الذى بنى فى العام 1373م فيعد تحفة فنية فريدة ويمتلك منبرا خشبيا متميزا وواجهة رئيسة من أجمل واجهات المساجد الإسلامية من حيث تناسب أجزائها أو براعة تقاسيمها، وتنوع زخارفها، كما يحتفظ بمئذنته الثلاثية الشاهقة السامقة التى تؤكد صدق اعتقاد المسلم بأن الله جميل يحب الجمال وتقف فى الفضاء كأصبع التشهد ليصدح منها صوت الحق.
يقول رئيس قطاع الآثار الإسلامية إن اللصوص الذين اعتدوا على المسجدين سيبيعون المسروقات فى سوق الخردة، ويقول وزير الآثار إن المسؤولية تقع على وزارة الأوقاف لا وزارة الآثار لأن الأولى هى التى تشرف على هذين المسجدين، ولا أعرف إلى متى ستظل آثارنا نزيلة على أسواق الخردة ورهينة إهمال الحكومة بوزاراتها المختلفة «آثار، داخلية، أوقاف» وعلى لجنة الثقافة والآثار بمجلس الشعب أن تجد حلا لهذا النزيف المتكرر لتاريخنا وأيقوناتنا الفنية وأن تتمسك بمعاقبة المهملين، فإهمال العقاب يغرى بمزيد من السرقة والعبث والإهمال، ويكفى أن نعرف أن الذى سرق منبر قانبياى الرماح «المرسوم على عملة المائتى جنيه» مازال طليقا حتى الآن بعد عام ونصف من وقوع السرقة.
درر آثارنا تنهب، وفخر تاريخنا يبدد، وآيات فننا تضيع، وأخشى أن يأتى اليوم الذى تختفى فيه آثارنا ويصير وجودها مقصورا رسما على ورق البنكنوت، وأولا وأخير: منكم لله.