فى أحد لقاءات الكاتب الراحل المبتسم الموجع جلال عامر التليفزيونية قبل أسابيع من رحيله فى فبراير الماضى قال: إن المصريين لم يتوحدوا على المحبة، وإنما توحدوا على الكراهية، وما حدث فى ميدان التحرير لم يكن خالصا لحب مصر، وإنما لكراهية مبارك، وبرغم أن تلك الكلمة مؤلمة وموجعة لكنى أراها شارحة ومفسرة لخصيصة ثقافية تميز بها الشعب المصرى وصارت ضمن مكونات شخصيته، وإن كنا نزعم حقيقة أننا نحاول أن نبنى مصر الجديدة بمنهج جديد، فعلينا أن نحلل تلك الشخصية العصية على الفهم والتفسير بكل ما أوتينا من حكمة، وأن نبرز مواطن القوة ونعالج مواطن الضعف، ونصارح أنفسنا بما فينا وبما ليس فينا، لعل القادم يحمل لنا مشروعاً ثقافياً يصقل الشخصية المصرية ويعيد إليها بهاءها ورونقها وإنسانيتها، ولذلك فإنى أدعو المتخصصين فى علم النفس المجتمعى والخبراء فى سيكولوجية الشعوب إلى دراسة هذه الخصائص ووضع الحلول العملية والعلمية للحد من انتشارها على المستوى القريب، والقضاء عليها على المستوى البعيد.
قبل أن أسمع تلك المقولة العبقرية من «عم جلال» كنت قد كتبت مقالا فى أكتوبر الماضى بعنوان «حراس الكراهية» وتأكدت بعد ذلك مرارا من أننا نتقن فن الكراهية والتمييز، وهذا وضح جليا فى التجربتين الانتخابيتين الماضيتين، ففى الاستفتاء على التعديلات الدستورية لم يكن لنعم أن تكتسح لولا إذكاء روح الكراهية بين أبناء الشعب المصرى، وكذلك فى الانتخابات البرلمانية، ويؤسفنى أن أقول إن كثيرا من الذين فازوا، فازورا بالكراهية، وكثير من الذين خسروا خسروا بالكراهية أيضاً، وهناك ملايين الأصوات ذهبت للكتلة الإسلامية لا لشىء إلا من أجل العند، ومئات الآلاف من الأصوات التى حصدتها الكتلة المصرية لم تكن لتتحصل عليها لولا الشحن الطائفى المقيت، بما يعنى أننا لم ننظر إلى برامج انتخابية ولم نراع الله فى اختياراتنا موجهين إياها نحو مصلحة الوطن وإنما وجهناها بكل ثقة نحو مقتله.
نظرة واحدة إلى طرق تربيتنا وتعليمنا وسنتأكد من أننا ندعم تلك الثقافة البغيضة بكل ما أوتينا من قوة، ولا أبالغ إن قلنا إننا نحترف التمييز، ونتقن فن الكراهية منذ نعومة أظفارنا، شاهد مثلا كيف يعاير الأطفال بعضهم البعض بما لديهم من لعب، وكيف ينتشون وهم يقولون «إهرى يا مهرى وأنا على مهلى» وكثير من أطفالنا لا يذاكرون دروسهم إلا حينما نشحنهم ضد أقرانهم، ونعايرهم بابن جارنا الذى يحصل على درجات أعلى، ودون أن نقصد يتوغل الحقد فى قلوب الأطفال على جارنا وابنه، ويبدأ التنافس غير الشريف والألاعيب غير السوية، فلا ينظر الأطفال إلا لعيوب منافسيهم ليثبتوا وهما أنهم الأفضل، ثم يبدأ الصراع منطلقا مثلاً من التفاخر بملابس العيد متطرقاً إلى المعايرة بمهنة الأب ووضاعة أو أناقة السكن، غير مستبعد العيوب الخلقية والفوارق الاجتماعية.
ما سبق مجرد مثال عن كيفية زرع الكراهية فى الأطفال لك أن تراه مكبراً فى حياة الكبار، فنحن نجيد تقسيم المجتمع إلى فئتين بشرط أن تكونا متناحرتين، ما بين مسلم ومسيحى، وشيعى وسنى، وأهلاوى وزملكاوى، وفودافونى وموبينيلى، كلاسيك ولا مودرن، نوكياوى ولا سامسونجى، نعماوى ولا لأاوى، فلول ولا ثورة، علمانى ولا إسلامجى، والأغرب من كل ذلك أننا إن لم نجد ما يقسمنا إلى فئتين اخترعنا تقسيماً سرعان ما يصبح تنافساً ثم تناحرا ثم صراعاً، ثم يأتى دور الذين يشعلون هذا الصراع لصالحهم الخاص ليصبحوا مثل الآفات التى تتغذى على الجيف، وهو ما يجب أن نقاومه بكل قوة وعلم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة