يواجه المجتمع المدنى هجمة ظلامية، القضية أكبر من عادل إمام، بل تكمن فى فقه المرحلة الانتقالية، للأغلبية البرلمانية، والفقه الذى أعنيه هو «فقه التدرج» فى تطبيق ما يدعونه شرع الله، وأولى خطواته خلخلة البنية التشريعية والقانونية الخاصة بالإبداع والمبدعين، طريقا لكتم أنفاس الوجدان المصرى وشرعنته وفق رؤيتهم، هناك أربعة عشر مشروع قانون جرى تقديمها للبرلمان، منها مشروع القانون الذى تقدم به فضيلة الشيخ سيد عسكر مفتى الجماعة لتنقية الأفلام من المشاهد التى يرونها إباحية، وقانون «النت» الذى انتهت منه لجنة البحوث بـ«الحرية والعدالة» لمواجهة المواقع الإباحية، والمقتبس من قانون «نظام مكافحة جرائم المعلوماتية السعودى» (التحرير 29 إبريل)، ومشروع قانون العمل الأهلى الذى سوف يحظر التمويل الأجنبى ويقيد الجمعيات... إلخ.
ومن تزمت السلطة التشريعية إلى فائض التطرف خارجها، ولدت ثلاثة جماعات جهادية ضد الإبداع والإعلام أعلنت عن نفسها مثل جماعة «الجهاد لتطهير البلاد» التى استهدفت فى بيانها الأول قناة «أون تى فى» (موقع المصرى اليوم 24/4)، و«جماعة سيد قطب» التى تدعو لاستبدال علم أسود بالعلم المصرى، وتدعو لإعلام وتعليم دينى يناسب ما يدعونه شرع الله (الشروق 21/4)، ثم ظهور جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى ثوبها الجديد كجماعة من المحامين الذين يستخدمون آليات المجتمع المدنى، وفى مقدمتها حق التقاضى، فى إقامة قضايا «حسبة» فى مواجهة الإبداع والمبدعين.
الغريب أن الأغلبية البرلمانية تدعى أنها مع وثيقة دستورية مرتقبة تدعم حرية الإبداع والمبدعين، حقا.. «أسمع كلامك عن الدستور أصدقك، أشوف مشاريع قوانينك أستعجب»!!
على الجانب الآخر فإن مؤسسات المجتمع المدنى المعنية بمواجهة هذه الهجمة غافلة وغير مؤهلة لذلك، ومقسمة كالتالى %31 جمعيات دينية، %22 إسلامية و%9 مسيحية، وهذه الجمعيات بنسبة %90 لا تهتم سوى بتكريم الإنسان بعد وفاته، و%45 جمعيات تعمل فى مجال التنمية، وتلك الجمعيات لا يعنيها سوى تغذية النزعات الغريزية لدى البشر «مأكل ومشرب وملبس» بشكل خيرى ولا تتحرك لمناهضة أى ظلم حتى لو وقع عليها، ويتحكم فيها موظفو المحليات ووزارة التضامن، وتعانى من كسل عقلى وانعدام للرؤية المستقبلية والسياسية ولا ترى إلا تحت أقدامها، %15 جمعيات ذات طابع حقوقى وتهتم بنشر الديمقراطية وتم تجريسها مؤخرا بوصمها باتهامات مختلفة خاصة بالتمويل، %6 جمعيات قبلية وجهوية، %3 جمعيات تعمل بالفن والثقافة للتصدى للهجمة الظلامية بروح مدنية قوية فى جسد مترهل وعاجز، وهكذا فالقضية ليست فى قوة الظالم بقدر ما تكمن فى غباء وتعاسة المظلوم.