فى عام 1975 التحقت بكلية الإعلام، وتعرفت على حمدين صباحى، كان اسمه هو العقبة الوحيدة فى علاقتنا، فالاسم غريب ومميز، لكنى كنت أنساه. وأتذكر الشخص، فحضوره طاغ، وخطابه مقنع ومؤثر، لذلك لجأت لحيلة ربط الشخص باتحاد الطلبة، فحمدين كان وقتها يسعى لرئاسة اتحاد الكلية والجامعة.
وكان بصحبته دائما طالب نحيف يرتدى نظارة طبية سميكة، يتحدث بسرعة كأنه مدفع رشاش، لكن حديثه كان فيه حياة وأمل وطموح، إنه الكاتب الكبير عبدالله السناوى، اسمه مألوف، لكن بقيت مشكلتى مع حمدين، ومع ذلك منحته صوتى كرئيس لاتحاد طلبة الإعلام، وسأمنحه صوتى كرئيس لمصر.
التقيت فكريا وإنسانيا مع السناوى وحمدين، وتعلمت منهما الكثير فى السياسة والفن والعمل الطلابى، لكن الحياة فرّقتنا، واختلفت بنا السبل، وظهرت بيننا اختلافات لم تقض على المودة والاحترام بيننا، بل ربما عمّقت وأنضجت صداقتى مع حمدين والسناوى. استمر الأول فى نضاله السياسى، بينما انتصرت الصحافة والمهنية على السياسى فى شخصية السناوى، تماما كما انتصر البحث العلمى على السياسة فى شخصيتى ومهنتى.
بقى حمدين مخلصا لناصريته، منحها كل ما يملك، حتى أنها هزمت الشاعر والرسام فى تكوينه، وتفوقت على الصحفى والباحث الذى كان يرغب فيهما، فحمدين كاتب مقال مميز، وباحث رصين حصل على ماجستير فى الصحافة، لكن مهام السياسى وتضحياته وجولاته المكوكية على سجون مصر كانت لها الغلبة. والحقيقة أننى كلما التقيت حمدين أعجب من ثقته الزائدة فى الانتصار على الاستبداد والظلم الاجتماعى، وكنت أيضا أدهش من تطوره الفكرى، وقدرته على متابعة كل جديد فى الفلسفة والعلوم الاجتماعية والفن.
منذ عشر سنوات تقريبا حدثت لحمدين قطيعة معرفية مع تراث عبدالناصر، فقد تمرد على كثير من الأفكار الناصرية، وقدم لها نقدا شجاعا وشاملا، بل ولتاريخه النضالى وبعض مواقفه. كانت تحولات حمدين عميقة وواعية بالتغيرات الكبرى فى عصر العولمة، ومطلع القرن الجديد، لذلك اتهمه بعض الناصريين التقليديين بالخروج عن الناصرية!
خروج وتمرد حمدين عن الناصرية السلفية جعلاه يؤسس حركة الكرامة كمشروع وطنى عام، يسعى لتحقيق الاستقلال والتنمية والعدالة الاجتماعية، وهى جوهر الناصرية وليست الناصرية، فالحركة لا بد -كما قال- أن تضم كل الوطنيين، وتعتمد على أشكال جبهوية، وائتلاف فى العمل المشترك من أجل إسقاط مبارك، وتحقيق نهضة مصر. ومن الواضح أن الحركة تعثرت لأسباب كثيرة، لكن المؤكد أن أفكار حمدين الجديدة بقيت، ودفعته لطرح نفسه كمرشح رئاسى لكل المصريين قبل رحيل مبارك، وقبل أن يظهر أى من المرشحين الحاليين.
حمدين ترشح للرئاسة فى مواجهة التوريث، وكان وما يزال مرشح البسطاء والمقهورين، مرشح الرأسمالية الوطنية المنتجة، وليس مرشح رأسمالية المحاسيب من الفاسدين والسارقين. حمدين فى برنامجه وخطابه مرشح الإسلام الوسطى السمح، مرشح المسلمين والأقباط، مرشح الحداثة والدولة المدنية، والمناضل الصادق الذى يمكن أن تثق فى وعوده ومواقفه، والمرشح الوحيد الذى يفهم معنى وظيفة الفن، ويحترم حرية الرأى والإبداع.
برنامج حمدين يمتلك رؤية شاملة للنهضة، تمهد لدخول مصر عصر صناعة المعلومات ومجتمع المعرفة، والأهم أن البرنامج تتوافر فيه أرقام وتفاصيل محددة عن الموارد المطلوبة، وصناعات المعرفة والطاقة الشمسية. حمدين يتبنى مشروعا طموحا للنهضة، وزيادة المعمور لصالح الفقراء وبسطاء الناس الذين جاء من بينهم، وناضل وسجن دفاعا عنهم. حمدين باختصار هو مرشح كل المصريين، والذى يتجاوز كل الأيديولوجيات.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة