مرة أخرى أجدنى أستعيد بعض كلمات العم «جلال عامر» رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وأثابه على طيبة قلبه ورقة روحه ونور بصيرته وصدق كلماته، وفى هذه المرة تذكرت مقولته الشهيرة التى تصلح لكل زمان تستعر فيه الحمى الانتخابية، وكل مكان يشهد اجتماع بعض الناس ليتدبروا فى أمر المرشحين، يقول عم جلال: لا تصدقوا العريس فى فترة الخطوبة ولا المرشح فى فترة الانتخابات، ذلك لأن أسهل شىء على المرشح هو أن «يفرش لك الأرض ورد» وأن يعدك بما يعرف أنه لن يستطيع تحقيقه، ولا يكلفه الأمر شىء إلا كلمات يزايد بها على المرشحين الآخرين، ليعلو سقف الأمنيات إلى أقصى مدى، وتتعدد الوعود وتتكاثر، حتى إذا ما أتينا إلى التطبيق فوجئ المرشح وناخبوه بأن ما سبق لم يكن إلا كلمات معسولة، خطب بها المرشح ود الناخبين وبها استحوذ على أصواتهم، ثم ليس فى الإمكان أبدع مما كان.
لا يعنى هذا أنى أقول لك لا تصدق مرشحك أو لا تذهب للانتخابات، لكنى منذ بداية الماراثون الانتخابى امتنعت عن النظر فى برامج المرشحين، لأنى أعرف مسبقا أنهم لن يلتزموا بها، كما صممت أذنى عن حملات التشويه المتبادلة بين المرشحين، لأنى أعرف أنهم «كلهم» ليسوا ملائكة، ولا أنبياء، وأن الاختيار عادة ما يحمل فى طياته تغاضيا «ما» عن بعض العيوب التى إن وضعتها أمام عينيك باستمرار فستقاطع الانتخابات برمتها، وللأسف هذه هى السياسة وتلك هى شروطها، ما علينا إلا اختيار الأنسب مرحليا، والأقل عيوبا والأكثر صدقا، والأشد صلابة، والأكثر تميزا والأشد اعتزازا بوطنيته ومصريته باذلا كل ما استطاع من أجل بلده بعموميتها، لا من أجل حزبه ولا تياره ولا جماعته.
نعود إلى البرامج الرئاسية التى وجدت نفسى مجبرا على الاطلاع عليها، بعدما كنت أنوى ألا أنظر إليها، والسبب فى هذا التغيير هو أننى لاحظت أن بعض المرشحين يتفاخرون ببرنامجهم أو برنامج حزبهم الذى لم يتعد حتى الآن حدود الورقة التى كتب عليها، حتى بعض الأحزاب التى فشلت فشلا زريعا فى قيادة البرلمان «الحرية والعدالة نموذجا» تدعى أن برنامجها هو أمل مصر، بينما يؤكد حلفاؤه السابقين «حزب النور على سبيل المثال» أن هذا البرنامج سيسبب كوارث فادحة فى المستقبل، ولما فرغت من قراءة هذا البرنامج اطلعت على برامج المرشحين الآخرين، فوجدت أن كل البرامج متشابهة، وكل الوعود براقة، وكل الأمانى ممكنة، وللحق فقد ضحكت من قلبى وأنا أطلع على هذه البرامج، ذلك لأنى كتبت فى هذا المكان فى أكتوبر الماضى عن مخطط التنمية الاستراتيجى الذى أعدته وزارة الإسكان بناء على تجميعها للبحوث التنموية التى كتبت سابقا، ولما قارنت بين برامج المرشحين ومخطط التنمية وجدت أن كل البرامج مقتبسة من هذا المخطط، بل أن المخطط فى مجمله أشمل وأكمل وأكثر تفصيلا ودقة.
هذه هى الخدعة الخفية فى البرامج الانتخابية الرئاسية هو أنها متشابهة فى مجملها إلى حد التطابق، ويكاد يتماثل مضمونها مع مخطط التنمية الاستراتيجى، وهذا من عيوب المرحلة الانتقالية التى نعيش فيها، والتى لم تعط فرصة لأن ينشئ المرشحون مؤسسات متخصصة فى صناعة البرامج لتكون متفردة بحق، ولهذا لم أسمح لنفسى بأن أضلل عقلى بوعود براقة لا تحمل تفردا ولا رؤية حقيقية، لأنى أعرف أن مصر لا تحتاج إلى برنامج وإنما تحتاج إلى «عودة الروح» التى نأمل فى أن تحدث على يد من ضحوا بأرواحهم وأفنوا أعمارهم فى حب مصر الكبيرة.