كلنا فى طفولتنا جربنا ألعاباً جماعية، وكلنا أيضاً بالتأكيد صادف بين أصدقائه وأقرانه فى أثناء اللعبة الجماعية نموذج الواد الغتت أو البنت السخيفة التى تفسد اللعبة حين تخسر فتصرخ قائلة لأ مش لاعبة، وفى المعتاد يحاول كل لاعب معها أو معه أن يقنعه بضرورة الاستمرار ولكن البت السخيفة أو الواد الغتت يصران على إفساد اللعبة وتنتهى الحكاية عادة بخناقة وربما قطيعة بين الأصدقاء.
هذا هو النموذج الذى استدعته ذاكرتى كلما قرأت أو سمعت أحداً سواء فى الإعلام أو فى التعامل اليومى يردد جملة «لو فلان ماكسبش رئيساً أو لو فلان كسب حنقوم بثورة تانى أو حنكسر الدنيا أو سنعود للتحرير». ودعونى أُشهد الجميع بدايةً أنى ضد أى مرشح له علاقة من قريب أو بعيد بالنظام السابق بل على العكس أنا أرى أن ترشحهم به كثير من البجاحة.
ولكن هذا الرأى لا يمنعنى من أن أرى جانبا آخر للحكاية، فالشعب والثائرون ضد نظام مبارك منذ ثورة يناير قد وضعوا قواعد جديدة للحياة السياسية والحزبية وحتى اليومية وهى قاعدة ديمقراطية عنوانها «الشعب يريد» فقد سقط مبارك وتنفسنا الحرية لأن الشعب يريد، وبدأت المحاكمات لأن الشعب يريد، وجاء عصام شرف رئيساً للوزراء وتجرعنا أخطاءه لأن الشعب كان يريد، وتولى الإخوان والسلفيون أغلبية البرلمان ونتجرع أخطاءهم وأهواءهم لأن الشعب أراد حتى حين.. إذاً قواعد اللعبة التى ارتضيناها هى حين يريد الشعب فله أن يختار حتى لو أخطأ لأنه يتعلم وليس أدل من شعبية الإسلاميين التى تراجعت فى أقل من عام إلى مستويات دنيا رغم أن الشعب أرادهم.
إذاً قواعد اللعبة التى وضعناها منذ يناير هى الإرادة الشعبية غير المزيفة تكسب حتى لو أخطأت لأنها ستتعلم أسرع مما نتصور. ولهذا فلا يصح لهؤلاء الذين وضعوا هذه القاعدة وهم المتحدثون باسم الثورة ومنهم مرشحون للرئاسة أن يعلنوا أن الثورة آتية لو أتى أحد من مرشحى النظام البائد لا قدر الله.
نحن فى لحظة تاريخية فاصلة سنحتكم فيها جميعا لصندوق انتخاب لأول مرة غير مزور ومراقب محلياً ودولياً فلا يصح التهديد بالثورة الثانية أو الثالثة فى حال فوز أو خسارة أحد المرشحين، الشىء الوحيد الذى يصح فى هذه الحالة هو أن يجمع الخاسر أيما كان، قوته ويقف بالمرصاد للرابح أيما كان ليكون على يساره مراقباً ومصححاً وعاملاً على اكتساب أرضية شعبية تسمح له ربما بالفوز فى مرات قادمة آتية لا ريب.
اللهم لا تنصر أحداً من أعوان النظام السابق وهم ليسوا كثرا ولكن إن حدث لا يجب أن يقرر فصيل أو جزء من الشعب أن يقوم بدور الواد الغتت أو البت السخيفة ويصرخ مش لاعب. حلمنا بالديمقراطية ونحن فى سنواتها الأولى فليثبت هذا الشعب أنه جدير باسم هذا البلد وأنه سيستمر فى اللعبة التى طلبها.