من الصعب على عاقل أو مجنون أن يتفهم أسباب الصمت البرلمانى، وتوقف جلسات مجلس الشعب، فى وقت يفترض فيه مضاعفة نشاط المجلس التشريعى والرقابى فى غياب باقى السلطات، ما حدث للمرة الثانية خلال شهر، أن مجلس الشعب قرر رفع جلساته ومنح نفسه إجازة حتى نهاية الشهر، فى وقت يستمر فيه الجدل حول الجمعية التأسيسية والدستور وصلاحيات الرئيس وكان يفترض أن يدرس مع المجلس العسكرى تحديد صلاحيات الرئيس، حتى لايبقى المنصب معلقا، بلا رأس ولا قدمين.
مجلس الشعب الميمون أغلق الأبواب وانصرف إلى إجازة ناسياً ومتجاهلاً القضايا التى تهم المواطنين، وقبلها علق الموقر جلساته «إنقماصا» من عدم إقالة حكومة الجنزورى، ثم عاد وشكر الحكومة وتبادل معها كروت المعايدة.
أصبحنا أمام برلمان عجيب، يتوقف حيث عليه أن ينعقد، ويصمت حيث عليه أن يتكلم، هل ترك نواب الأغلبية المجلس ودورهم البرلمانى، وانطلقوا فى حملات تأييد لمرشح الحرية والعدالة للرئاسة، إذا كان ذلك حدث، فهو خلط يأتى على حساب حق المواطنين فى مجلس.. دوره أن يراعى مصالحهم وينوب عنهم.
وبعد أربعة شهور من الانعقاد، لا يمكن تذكر أى من التشريعات المهمة التى ناقشها المجلس أو قضية تدخل لحلها. فقد ترك قضية الجمعية التأسيسية والدستور وعلق جلساته، فى وقت دقيق.
لم يلتفت الموقر إلى خطورة الجدل حول صلاحيات الرئيس مع قرب انتهاء الانتخابات، بعد أقل من شهر على أقصى تقدير. ولا يعرف كيف سيحكم، ويمارس مهامه دون صلاحيات دستورية واضحة، هناك من يطالب بإعلان دستورى مكمل يصدره المجلس العسكرى بصلاحيات الرئيس، وهو اقتراح لايلقى موافقة كل الأطراف، ويفترض أن يكون البرلمان حاضرا فيه لأنه المؤسسة الوحيدة المنتخبة، التى عليها أن تشارك فى هذا الجدل وألا يترك الأمر معلقا.
وقف الجلسات يضع علامات استفهام عما إذا كان المجلس مع الإعلان الدستورى المكمل، وإذا كان فلماذا لايدلى بدلوه ويعقد جلسة لمناقشته، أو يجمع الأحزاب ويعقد جلسات استماع ينتهى فيها من معايير الجمعية التأسيسية.. وهو الذى كان وراء تعقيدها ووصولها لطريق مسدود، بسبب الاتجاه الاحتكارى، وفرض سيطرة البرلمان والأغلبية على الجمعية، مما أدى لإبطالها بحكم قضائى، تم الإعلان عن الالتزام بتنفيذه شكلا، وتعطيل الجمعية فى الموضوع على طريقة الحزب الوطنى.فلا جمعية تشكلت، ولا دستور تمت كتابته.
هذا عن الشلل السياسى، أما على مستوى القضايا والتشريعات الضرورية فإن المجلس لم يتطرق إليها، ومنها قضايا الفقر والعلاج والتأمين الصحى والدعم والعشوائيات، تم إهمالها لصالح الجدل الاستعراضى وطلبات إحاطة سريالية.
مجلس الشعب خلا من أى مناقشة جادة، وكان من أكثر المجالس التى شهدت شتائم ومصادمات وجدلا عقيما، وأخيرا يصمت حيث يفترض أن يتكلم.