يعمينا التحزب أحيانا عن الرؤية، وتضع المكابرة أمام أعيننا حجابا يحيل بيننا والحق، ومن المقبول فى أى انتخابات أن ينتصر فريق على آخر بناء على مرجعيته وأفكاره وبرامجه وتأثير أشخاصه، لكن من غير المقبول أن يكون عامل الانتصار الأول هو العند والمكابرة وصم الآذان عن وجهات النظر الأخرى واستحلاب العند الذى قال عنه أجدادنا إنه «يورث الكفر».
كم من معارك خسرناها بسبب العناد، وكم من كوارث تحملناها بسبب اتباع من يفتى ولا يعرف، وأخشى أن تصبح انتخابات الرئاسة التى نقبل عليها حلقة جديدة من مسلسل الخسائر المستمر، الذى بدأ منذ أكثر من سنة، حينما انسقنا إلى اختيار «نعم» فى استفتاء التعديلات الدستورية، وظللنا نتجرع العلقم جراء هذه النعم طوال تلك المدة.
غدا تقف أمام صندوق الانتخابات، كل المرشحين أمامك، أنت تعرفهم كلهم، بمحاسنهم ومساوئهم، لا تخدع نفسك وتقول إن الاختيارات لم تكن متاحة أمامك بشكل كاف، أمامك من باع، وأمامك من خان، وأمامك من وعد وأخلف، وأمامك من حارب وصبر، وأمامك من انحاز إلى طين هذا البلد وبحره وناسه، وأمامك من تهرب فى الأهوال وظهر فى الاحتفال، وأمامك من تعطرت ملابسه بدماء إخوتنا الذكية، وأمامك من قال «نفسى نفسى» وسكت عن الفساد وهو يراه يضرب الفساد، أمامك من هتف عيش حرية عدالة اجتماعية، وأمامك من قال «إذا ترشح مبارك فأنا أؤيده» أمامك من تكلم وتحدث وظهر وتظاهر وعرض برنامجه ومشاريعه وحلمه على العالمين، وأمامك من أخفوه عن أنظار المرشحين كعريس معتوه أخفوا عن عروسه اختلال عقله وذهاب وعيه لتفاجأ به فى ليلة الدخلة، أمامك أيقونات التحرير وحراسه ومرابطيه الذين لم يتخلوا يوما عن دماء من منحونا هذه اللحظة التاريخية، وأمامك من تكاسل فى النزول وأسرع بالانسحاب، أمامك من هتف «يسقط يسقط حكم العسكر» متحملا ما لا طاقة لمرشح به، وأمامك من جلس تحت أقدامهم مستعذبا بيادتهم ومستمتعا بانحنائه لهم، أمامك من ضللك وأضلك ولعب على عواطفك وتاجر باحتياجك إليه، وأمامك من نصحك وأرشدك ولما لم تستمع إلى نصيحته وجلبت الكوارث عليك وعليه، لم يتركك.
لن أقول لك كن مع الثورة وامنح صوتك لمن رافق الشهداء وحمى المصابين وكان فى أول الصفوف، ولكنى سأقول لك: كن مع نفسك وبلدك وأولادك ومستقبلك، تذكر فقط أن مصر عاشت أجمل لحظات فى تاريخها بفضل أيام التحرير، تذكر عودة الروح إلى أبناء الشعب المصرى عقب تنحى مبارك، وتذكر أن أكبر الخبراء والمستثمرين توقعوا عقب الثورة أن يشهد الاقتصاد المصرى نموا كبيرا، وأن تنهال الاستثمارات على بلدنا، وتذكر أن كل تلك التوقعات تبخرت، وكل تلك الاستثمارات هربت، فقط حينما نجح الشياطين فى أن يفرقوا بين الثورة وأبنائها وشعبها، تذكر الشوارع وهى تغنى وتكتسى بألوان علم مصر مزدانة بحب أبنائها بعد التنحى بفعل تآلفنا وتوحدنا، وتذكر أيضا شوارعنا الآن وقد انقلب حالها فأصبحت مرتعا للبلطجة ومخزنا للقمامة.
انصروا أنفسهم بالانتماء إلى ثورتكم، وغضوا السمع عمن ضللوكم وتاجروا بأحلامك ودينكم ومقدساتكم وجيشكم وضعفكم واحتياجكم، أمامكم الفرصة الآن لاختيار من وقف بجانب بلدكم، ومن تعذب وسجن واعتقل من أجل الفلاحين والعمال، وأنتم تعرفون الصادق من الكاذب، وترون بأم عيونكم من حلم حلمنا وعانى معاناتنا وتعذب مثلنا فصار واحد مننا، وأمامكم من هرب عند النزال وحضر عند الاحتفال.
اللهم فاشهد.