هناك جزء مضىء فى العتمة، ونصف كوب ملآن، فى الكوب نصف الملآن. وفى زحام السياسة والانتخابات والمنافسات والمعارك والشتائم والأحذية، ظلت السياسة ميدانا يفوز فيه القادرون على اللعب بالبيضة والحجر والكلام. ويفشل هؤلاء الذين ينشغلون بالنظريات أكثر مما ينشغلون بالتحركات، ويفضلون الحديث باسم الشعب، أكثر من الحديث مع الشعب.
الشعب نفسه يعطى ظهره للانتهازيين والأراجوزات، لأنه مشغول بأكل العيش، والكفاح فى المرور والتوقيع والانصراف فى الانفلات الأمنى، ووكل ظاهرة لها عيوب ولها أيضاً نصف كوب، والفشل يتحول إلى تجربة.. من يتعلم منها ينجح، و من لايتعلم يبقى مثل السمك بلا ذاكرة تمنعه من نقل خبرات الصيادين لأهله.
بمناسبة نصف الكوب، فإن حرب ألتراس المرشحين للرئاسة كانت الفتنة السياسية أكثر من الفتن الكروية. ولا نعرف إن كان ألتراس الرياضة هو الذى نقل عدوى التعصب للسياسة، أم أن ألتراس السياسة هم الذين نقلوا فيروس التعصب للرياضة، أما الوجه الجيد لذلك، هو أن كثيرين ممن يؤمنون بالثورة توقفوا عن تصديق الألتراس السياسى والانتهازيين، وبدأوا يفكرون بشكل مستقل فى كيفية بناء منظمات سياسية تساهم فى نشر الوعى الذى يحتاج عدة سنوات.
الوجه الخاطئ للاستعجال فى انتظار نتائج الثورة خلال الشهور الأولى، فهو أنه أدى لانشقاقات ومعارك بلا نتيجة.. لكن نصف الكوب الملآن، فهو أن من يراهنون على المستقبل اكتشفوا أن أمامهم مشوارا طويلا لمراكمة خبرات تفيد فى المستقبل. وأن العجلة من الشيطان ومن السياسيين والانتهازيين.
وعلى ذكر الانتهازيين، فقد كشفت الشهور الماضية عن كمية هائلة من نجوم الثورة، وعدد أقل ممن يؤمنون بالثورة، وإذا كان أراجوزات الفضائيات تسببوا فى حالة إزعاج سياسى بلا فعل، وخلق حالة من الفوضى وغياب اليقين، لكن هذا له نصفه الملآن هو أن هذا الزحام يمكن أن يقود ببطء لحالة فرز بين الانتهازيين ومحترفى النجومية من جهة، وبين الراغبين فى العمل العام من جهة أخرى.
فى الانتخابات الرئاسية فقد كانت الرغبة فى النجومية السياسية أهم لدى البعض من البلد ومافيه، وباسم الثورة خاض مرشحون الحرب ضد بعضهم، وفرش ألتراس المرشحين الملايات لبعضهم، اكتشفنا أن هناك فرقا بين النظرية والتطبيق فى الانتخابات، ويفوز من هم أقدر على كسب الأصوات والذين هم الأقدر على إدارة الأمور أو صناعة التوافق. وأن من شاركوا فى الثورة ربما لم يكونوا الأقدر على كسب الأصوات، ولا حتى منافسة من احتكروا الحديث باسم الثورة. لكن النصف الملآن أن بعض الذين صوتوا فى الانتخابات، ربما يكتشفون أنهم لم يختاروا جيدا، ويعيدون النظر فى اختياراتهم، ويعرفون أن ليس كل من يتحدث باسم الثورة أو الدين صادقا. وأن العبرة فى العمل بعد الفوز، عرفوه فى البرلمان، وسيعرفونه أكثر بعد فوز رئيس. ليشربوا نصف الكوب الملآن، أو يكتفوا بالنصف الفارغ.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة