توجه المصريون لأول مرة فى تاريخهم الطويل إلى صناديق الاقتراع ليختاروا رئيسا لهم، الشعب هو الذى يختار الرئيس، كل لحظة تتوتر الأعصاب وتخفق الأنفاس لمتابعة مؤشرات التصويت لدى حملات المرشحين للرئاسة، فلأول مرة لا يعرف المصريون من هو الرئيس القادم!!
لأول مرة نرى الشعب هو صاحب الكلمة، ونرى مرشحى الرئاسة يقفون فى الطوابير لا يتجاوزونها، ظاهرة الفرعونية السياسية فى مصر أسقطتها الثورة ولن تعود مرة ثانية، الشعب أصبح صاحب القرار الأول والأخير.
لأول مرة نرى العالم العربى كله والإسلامى يضع يده على صدره ويتابع لحظة بلحظة ما يجرى فى الانتخابات الرئاسية المصرية، إنها ظاهرة متجاوزة للحدود، لأنها تعبير عن الثورة، والثورات يتجاوز تأثيرها حدود الأوطان التى قامت فيها.
لأول مرة يخرج الشعب بهذه الكثافة وهو يثق أن صوته يصنع مستقبل أمته، فلم يعد هناك تزوير ولا بلطجة ولا اغتصاب لحق الشعب فى أن يختار، لم يعد هناك الحاكم الإله، ولم يعد هناك الشعب الذى يكون ظلا لذلك الإله، الثورة تحول ظاهرة السلطة فى مصر إلى ظاهرة طبيعية بمعنى أن الرئيس القادم هو واحد من الناس وليس فوقهم أو من طبيعة مختلفة عنهم.
الثورة هى التى صنعت هذا التغير الهائل فى حياة المصريين، ودم الشهداء هو الذى منح الشعب أن ينتزع حقه فى الحرية وفى الكرامة وفى الاختيار، وبدون دماء الشهداء وتضحيات المصابين لم يكن هذا التحول التاريخى الكبير ليحدث فى مصر.
إذن من الطبيعى أن يكون الرئيس القادم معبرا عن الثورة وعن منطقها فى ضرورة الضرب بقوة فى بنية السلطة القديمة البالية المتعفنة لتأسيس مفهوم ثورى جديد للسلطة التى تقوم على خدمة الناس وليس استغلالهم، مفهوم الخدمة هو الذى تريد الثورة أن ترسخه لكل من يريد أن يتولى السلطة، فهى واجب وليست مغنما.
عملية التحول الهائلة التى تحدث فى مصر اليوم هى جزء من الثورة فى الواقع، فالثورة لم تكتمل بعد، وقوى الثورة المضادة تدافع عن مصالحها ومغانمها وتحارب معركتها الأخيرة، ومن ثم فإن الرئيس الذى سيختاره المصريون سيكون تعبيرا عن قيم الثورة.
الرئيس القادم سيعمل فى بيئة متغيرة وجديدة، فلن يكون مطلق السلطات، ولن يكون الحاكم الإله، وإنما سيكون بشرا رئيسا، ومن ثم فإنه سيكون بحاجة إلى مهارات بناء التوافق السياسى مع قوى الأغلبية، ومع المجلس العسكرى، ومع قوى المعارضة، والأهم من ذلك كله التأسيس لوضع دستور يعبر عن الثورة ويليق بها وبكفاح أبنائها وشهدائها، ولعل أول ما يجب أن تشير إليه الوثيقة الأهم فى العقد الاجتماعى الجديد للمصريين التأكيد على أن كل مؤسسات الدولة سواء أمام القانون، فلا توجد مؤسسة أعلى من بقية المؤسسات أو لها استثناءات أو حصانات فوق مراقبة المؤسسات المنتخبة.
العلاقات المدنية - العسكرية ستكون إحدى المسائل الكبرى الشائكة التى يتعين على الرئيس القادم أن يواجهها بشجاعة، وأن يضع لها حلولا تقود البلاد إلى الاستقرار والتحول نحو نظام سياسى يليق بالثورة وبمصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة