قبل أن ندخل فى حسبة برما وأن ننظر إلى حالنا بحسرة وحيرة، ما بين مرشح معزول سياسيا ومحاط بالجرائم والبلاغات المدفونة، ومرشح آخر نال حزبه من الكراهية فى ثلاثة أشهر ما لم ينله حزب مبارك فى ثلاثين سنة، وقبل أن نفاضل بين مرشحين شبع الشعب المصرى فيهما «تهزىء» فأطلق على أحدهما لقب استبن، بينما ضرب الآخر بالجزمة، لابد أن ننظر إلى نتائج الانتخابات بعين الريبة والشك لأن ما حدث بها من وقائع فى غاية الغرابة، تستحق أن نتوقف عندها، وأن نحقق فيها، متشككين من صحتها، وقبل أن أخوض فى ذكر تلك المقارنات المنطقية حول هذه النتائج العبثية من المهم أن أؤكد أن التسرع فى الإعلان عن التكاتف حول مرشح الإخوان يعطى شرعية لنتيجة الانتخابات دون علم، كما أؤكد خطورة الانسياق مع الإخوان إلى خانة التفكير فيما بعد الانتخابات، فالإخوان يحاولون الآن فرض أنفسهم بمنطق «يا أنا يا الحزب الوطنى» تماما كما كان مبارك يفرض نفسه بمنطق «يا أنا يا الإخوان».
سأضع أمامك رقمين وعليك أن تقارن بينهما، الأول يخص محافظة المنوفية التى يبلغ عدد من يحق لهم التصويت بها حوالى 2 مليون نسمة، ويعيش الكثير من أبنائها خارجها، فهذه المحافظة شاركت فى الانتخابات بنسة عالية جدا وصلت إلى ما يقرب الـ %50 مانحة بهذه المشاركة ما يقرب من 600 ألف صوت لأحمد شفيق، لتضعه فى صدارة المشهد، وتجعله متفوقا على حمدين صباحى، ولأنى أعرف أن «المنايفة» ليسوا «بهذا القدر من التغافل عن الشعور الوطنى، تشككت فى تلك النتيجة، ووضعتها فى مقارنة بين أرقام أصوات محافظة كفر الشيخ التى تعتبر ابنها «حمدين صباحى» معشوقها وأملها، باذلة فى ذلك العشق الجنونى دماء أبنائها راضية مرضية، فكيف لهذه المحافظة التى يبلغ عدد من يحق لهم الانتخاب بها ما يقرب من 2 مليون نسمة أيضا، وتتميز أنها بلد مرشح خاضت معه نضالا كبيرا على مدى خمسة عشر عاما، وتكون نسبة التصويت بها حوالى %40 وأن يحصل صباحى فيها على 400 ألف صوت انتخابى؟
المفارقة الثانية تكمن فى محافظات الصعيد التى تملك تراثا وطنيا كبيرا وشعبية جارفة للفكر الناصرى، والتى زارها المرشح «حمدين صباحى» أكثر من مرة واستطاع أن يجتذب فيها العديد من الكتل المؤثرة تصويتيا، فكيف يحصل فيها صباحى الذى كان ينافس بضراوة حتى الرمق الأخير على المركز الثانى، على أقل عدد من أصوات الصعيد سواء فى المنيا أو بنى سويف أو سوهاج، وبماذا نفسر أن المحافظات التى شهدت حضورا ضعيفا من الإعلام وتواجدا قليلا من حيث عدد مندوبى صباحى، يكاد يخلو منها اسمه النتائج، أما المحافظات الأخرى التى كان الإعلام حاضرا فيها بقوة فاكتسحها صباحى بسهولة ويسر؟!
ماذا نفسر أيضا تأخر إعلان نتائج القاهرة والجيزة والاسكندرية التى تفوق فيها صباحى حتى عصر الجمعة من الانتخابات برغم أن نتائجها كانت تقريبا جاهزة منذ الساعات الألى لصباح الخميس، أما المفاجأة الكبرى فهى وجود فارق كبير بين نسبة الأصوات الفعلية التى ذهبت لكل لجنة انتخابية والعدد المعلن عنه، بمعنى أنك لو جمعت الأصوات التى شاركت فى الانتخاب والمدونة بجانب كل مرشح لحصلت على عدد أكبر بكثير، من المعلن عنه، وأين ذهبت هذه الأصوات.
ما سبق يؤكد أن فكرة الحسم بين شفيق ومرسى يعد من قبيل التعتيم على نتيجة الانتخابات التى لم تحسم بعد ولم تصدر بشكل رسمى حتى الآن، فلننتظر.