كيف حدث هذا؟ هذا ما حدث، اثنان وصلا، وتأخرت الثورة، ورحنا نعد الأصوات فى انتظار المعجزة، ونحلل، ونشاهد على الشاشات الوجوه نفسها تقول الكلام نفسه، فى أقل من عام ونصف ظهرت وجوه كثيرة تتنقل بين استديوهات الإنتاج الإعلامى لتشعر المشاهد أنه لن يكون وحيدا أبدا، واختفت وجوه استراتيجية عتيدة وتغيرت مواقف.
فى هذه الجولة تم فرز أولى لنخبة رجال أعمال مبارك الإعلامية، التى ركبت فضاء الثورة، وفتحت لها قنوات وصحفا جديدة لفرملة الارتجال، لدرجة أن كل واحد على حدة يتعامل مع نفسه ـ من فرط الظهور على الشاشات ـ على أنه مفجر الثورة، بعد أن اتضحت نتائج الجولة الأولى، لم يعد الكلام عن أيام التحرير حاضرا، لا أدرى لماذا تذكرت فتحى رضوان وكتابه عصر ورجال، الذى أرخ من خلاله لفترة ما بين الثورتين «19 ، 1952»، للقبض على روح العصر من خلال الكتابة عن نخبته الأدبية والصحفية، الفترة من يناير 2011 و24 مايو 2012، من الممكن أن تكون مادة لكتاب مماثل واعتبارها عصرا بأكمله. ولكن هل يوجد بيننا ووسط زحام الأكاذيب والصفقات شخص بنقاء وقامة فتحى رضوان لكى يتساءل: «هل هو عصر أقزام لم يقولوا قولا ذا قيمة، ولم يفعلوا شيئا ذا جدوى وأضاعوا على بلادهم فرصا ثمينة؟ أهو عصر اضطراب وقلق وتمرد حاول أن يثور على الاستعمار والملكية، واحتضن ما استطاع قضية العمال، ودافع ما وسعه الدفاع عن الحريات الدستورية والحقوق الأساسية للشعب؟، أم هو عصر أطفأ جذوة ثورة 19 ونقلها من الكفاح المجيد الذى بدأته ضد الإنجليز وكفاح الفلاحين فى القرى والعمال فى المدن والطلبة والمثقفين فى طول البلاد وعرضها، إلى منازعات حزبية صغيرة تافهة، واستعملت حقوق الشعب ومبادئ الدستور ونزاهة الحكم، ووسائل ووسائط لتحقيق المآرب الخاصة وإشباع الأطماع الحزبية»، أقل من عام ونصف بعد ثورة يناير العظيمة، استعد فيها كهنة الماضى «البعيد والقريب» جيدا على الأرض، وتركوا الفضاء لوجوه غزيرة، ظهرت بعد الجولة الأولى وأصابعها غارقة فى الحبر الفسفورى، وتفاضل بين فاشيتين .. وكل ما عليك هو أن تختار بينهما.
> لم يكن حمدين صباحى مفاجأة كما يروج الفضائيون الرسميون، ولكنه كان التعبير الحقيقى عن شىء كبير ورائق زرعته الثورة فى الناس، كان معنى «شعريا» فى سياق ركيك وعلاقات غير شعرية، صوت له الأشخاص الطيبون فى أقاربنا وجيراننا وزملائنا فى العمل، نجح بدون زيت وسكر وأنبوبة بوتاجازو كيلو لحم كندوز «بيشد» ووعود بنهضة غشيمة ستعلى من شأن المنتج التركى ورجال الدين، نجح بدون نبرة عودة الاستقرار التى يروج لها الذين أطلقوا البلطجية لتغتال فرحة الناس بالحرية، نجا بنفسه وبالثورة من أعدائها، وقدم وعدا رقيقا بإمكانية مواصلة الطريق بعيدا عن الشرعية التى يتحدث باسمها اللصوص، حمدين هو عنوان عريض للأحلام البسيطة، ولافتة صغيرة تشير إلى حدائق غزيرة فى صدور المصريين، لم يكن له كفيل غير الناس المرتبكين الذين ينشدون العدل والحرية والعدالة الإجتماعية، هو الرئيس الذى اختاره الذين لا مصلحة لهم غير استثمار روح الثورة ورد الاعتبار لشهدائها، حمدين هو الفائز الحقيقى.. حتى لو نجحت الفاشية فى محاولة فرض إيقاعها على الخيال.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة