فى اعتقادى أن الثمن الذى دفعته الثورة المصرية من دماء أبنائها المنهمر حتى الآن كان من الممكن أن يتقلص إذا ما وجدت الثورة المصرية من يعبر عنها بإخلاص ووعى منذ البداية، وكان من الممكن أن يلتف ثوار مصر على اختلاف أطيافهم تحت مظلة الجمعية الوطنية للتغيير لتكون شريكا للمجلس العسكرى فى الحكم وإدارة المرحلة الانتقالية، أو تتولى زمام الأمور كلها ليكون المجلس العسكرى «حامى الثورة» فعلا، وليس محتكرها كما حدث فيما بعد، لكن ها هى الأوضاع تتأزم مرة أخرى، ويبرز الاحتياج لشكل سياسى تخوض الثورة حربها من خلاله، وأزعم أنه ليست الثورة فقط هى التى تحتاج إلى هذا الإطار الجامع، ولكن مصر كلها بحاجة ملحة إلى من يملك الرؤية والفعل والخبرة للمنافسة على الحكم والقيام بدور المعارضة الحقيقية لا المصطنعة، وفى هذا التوقيت الحرج يخرج علينا الدكتور محمد البرادعى بمشروع حزب جديد تحت اسم «الدستور» تماما كما خرج علينا بفكرة الجمعية الوطنية للتغيير حينما تأزم موقف مصر إبان تحضير السجين جمال مبارك لوراثة الحكم من والده السجين محمد حسنى مبارك.
لست هنا لأمدح فكرة حزب الدستور أو لأثنى على البرادعى وأفكاره، ولا أبرئ نفسى من الانحياز لمشروع البرادعى منذ بدايته وقت حكم مبارك، فقد ناصرته وقت أن كان حلما وأملا، وانتقدته حينما تخلى عنا بسبب سفراته المتكررة غير المبررة، محصنا نفسى بعدم الاشتراك فى الفعل السياسى لأحافظ على استقلاليتى المنشودة، واليوم وأنا أرى تدافع الناس على اختلاف انتماءاتهم ولهفتهم للفوز بالاشتراك فى تأسيس الحزب أتعشم أن يكون هذا الحزب هو بيت الثورة الكبير، والمتحدث باسمها بعد أن أرهقنا الشتات، وأضلنا لهو الحديث.
نعم أخطأت الثورة فى العديد من الملفات المهمة، وأرى أن الأوان قد آن ليتعلم قادة حزب الدستور وعلى رأسهم الدكتور محمد البرادعى من أخطاء الثورة، ولذا أرى أن المطلوب الآن أن يتم تأسيس الحزب على أسس مؤسسية حقيقية، بحيث يكون للحزب مشروع وطنى كبير، يلتف حوله الكافة، وأن يبادر دائما بطرح الخطط المستقبلية والدراسات المتعمقة للخروج من أزمات الوطن وانتكاساته، فيجب على الحزب إنشاء مؤسساته البحثية المتعمقة لدراسة أحوال الشارع المصرى ومتطلباته، وأن يخطط لغزو الشارع لا لغزو الفضائيات، وأن يكون صاحب المبادرة لنتخلص من عقدة كوننا «رد فعل» وأرى أن هذا الطلب الأخير هو مربط الفرس، فقد أعرض بعض الناس عن الثوار لأنهم دائما معترضون على ما يطرح بعد أن يتم طرحه، والشخصية المصرية فى عمقها تميل إلى الاستقرار، ولذلك يرى البعض أن المعارضة فعل يهدد استقرارها.
امتلاك زمام المبادرة هو المطلوب الآن من حزب الدستور، ومن يتأمل ما جرى فى العام الماضى منذ التعديلات الدستورية سيجد أن الثورة كانت دائما رد فعل وليست صاحبة الفعل، فقد قالت الثورة «لا» للتعديلات الدستورية، فقال الناس نعم، ولو كنا بادرنا وكتبنا دستورنا قبل أن نترك الميدان وطرحناه على الشعب لقال له نعم أيضا، ولكنا تخلصنا بالمرة من محنة الدستور أولا أم الانتخابات أولا التى أنجبت لنا كيانا مشوها يسمى بمجلس الشعب، ووقعنا فى الفخ تلو الفخ، وقس على هذا عشرات الأمثلة، ولذا أرى أن المبادرة المطروحة بقوة والمبنية على أسس سليمة، ودراسة عميقة، واحتياج حقيقى هى الحل، ومن الظلم أن نؤنب من يلبس خرقا بالية فى الشتاء القارص مادمنا لا نقدم له ملبسا كريما.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة