لن تنتهى المفارقات فى عالم الانتخابات والسياسة، اعترف مرشحون مثل حمدين صباحى وعبد المنعم أبو الفتوح بخطأ التقدير الذى أدى لخسارة بالرغم من إمكانية الفوز. اكتشاف خطأ التقديرات يفترض أن يدفع إلى إعادة النظر فى الخطوات القادمة، وعدم الوقوف عند الماضى. هناك اتجاه لأن تكون حملات حمدين وأبو الفتوح بداية لتشكيل تيار أو تيارين سياسيين، يضمان الملايين التى شاركت فى حملتيهما أو جذب الأصوات التى ذهبت لهما وتمثل زخما جديدا. لأن الاكتفاء بتحميل «آخرين» مسؤولية الفشل، يجعل من الصعب تصحيح الأخطاء. كما أن التوقف عند الماضى واستمرار التصريحات المرتبكة من شأنه أن ينشر التشاؤم ويحبط الاتجاه إلى المستقبل.
وبالرغم من الخسارة، فقد ظهرت ملامح تيارات سياسية، يمكن أن تمثل بديلا سياسيا للمرحلة القادمة. من حملات حمدين وأبو الفتوح والأصوات التى ذهبت لهما، والتى لاتمثل كتلة متجانسة فى الرأى والاتجاه. بعضها له اتجاهات سياسية، وبعضها الآخر بلا اتجاهات، وإن كان يجمعهم الرغبة فى التغيير والاتفاق على الأهداف النهائية حتى لو اختلفوا فى التفاصيل.
جمع كل هؤلاء فى تيار سياسى أمر صعب، لأنه يحتاج إلى قيادات تكون قادرة على إذابة المتناقضات والتقريب بين وجهات النظر، وتحديد الأهداف المتفق عليها.
ولا يفترض أن يكتفى الخاسرون والمحللون بالبحث عن شماعات يعلقون عليها أسباب خسارتهم، أو يكتفى البعض بالحديث عن ضياع الثورة وعودة نظام مبارك. بل أن يبدأوا فى إعادة تنظيم صفوفهم وتفويت الفرصة على المخططات بدراستها والتعامل معها، وليس هناك غير المسار السياسى بعد انتهاء المسار الثورى بالدخول فى إجراءات سياسية وانتخابات مجلس الشعب والشورى ثم الرئاسة، ولا توجد أغلبية يمكنها تغيير المسار. لابديل عن تشكيل كيانات سياسية يمكنها الصمود فى مواجهة جماعات منظمة أو بقايا الحزب الوطنى حتى يمكنها المنافسة، وبدون ذلك سوف تبقى الفرصة سانحة لإعادة إنتاج النظام السابق بتنويعات مختلفة. وهناك من يتحدثون عن تكرار مصير الثورة الرومانية التى بعد أن أطاحت بشاوشيسكو عام 1989 وإعدامه وزوجته، نجحت «جبهة الخلاص الوطنى» الممثلة لبقايا نظام شاوشيسكو فى إجهاض الثورة بعد سنة ونصف، وفاز «إيون إيليسكو» بالرئاسة. واستمر فترتين قبل أن يخرج بانتخابات ديمقراطية، وتواصل رومانيا تقدمها وبناء نظام ديمقراطى وتنضم للاتحاد الأوروبى. وتم هذا بعد عشر سنوات تقريبا.
من يشيرون لرومانيا لا يقدمون نماذج أخرى لثورات نجح الثوار من أول مرة فى قيادة البلاد. وربما يفترض دراسة التجربة المصرية فى وجود المجلس العسكرى، ثم بعد رحيله الجزئى وتسليم السلطة، حيث ستكون القوى السياسية ممثلة فى الإخوان بصفتهم الفصيل الوحيد المنظم، وبقايا الحزب الوطنى، والأحزاب القائمة الضعيفة، والجديد منها مازال خارج المنافسة. ولم تظهر تيارات سياسية تمثل المستقبل وتنافس سياسيا، وبدلا من الخوف من تكرار التجربة الرومانية، يفترض الحديث فى كيفية تفادى هذا المصير. ببديل واضح.