لا يجوز القول: إن هناك طرفا انتصر، وطرفا هزم فى موقعة العباسية، فالخسارة واحدة والدم واحد، سواء من سقط من المعتصمين، أو من الجيش، لأنهم ضحايا الانتهازيين والكذابين والمتصارعين على الكراسى والسلطة.
وليس ادعاء للحكمة بأثر رجعى، كانت الأحداث متوقعة.. ولا مفاجآت فيها، و كالعادة هناك من يعمل نفسه وكأنه فوجىء، بينما المفاجأة مما لايفاجىء نوع من الحمق. وهناك حمقى يصرون على دفع حياتهم ثمنا للكذب والانتهازية. والضحايا دمهم فى رقبة المحرضين والانتهازيين. يدفعون ثمن الكذب والادعاءات والمزايدات والصراع على سلطة ليس للأبرياء فيها أى مطمع.
المحرضون والطامعون والانتهازيون يحملون دم أبرياء صدّقوا الكذب، وتصوروا أن الثورة مهرجان للتظاهر والصراخ، وأن التظاهر غاية، وصدقوا نشطاء يقتاتون على التظاهر ويبيعون صورهم فى الخطر، موظفون فى «الهيصة»، وكأنهم ورثوا الثورة، وصباح مساء يبيعونها، ولو على حساب دماء الأبرياء، وبعض من يظهرون دأبا فى الدفاع عن الضحايا، يقبضون ثمن ذلك نقدا، وهى أمور معروفة، لكن يتم الطرمخة عليها.
لقد كانت الساعات الأخيرة للاعتصام مثالا للمزايدة والادعاء، ورأينا أعلاما سوداء وقراصنة، وإرهابيين سابقين يبحثون عن عمل، لم يجدوا من يسألهم عن جرائمهم، واستغلوا الزحام والفوضى، ليجدوا لأنفسهم وظيفة يخاطبون ممولى الخارج، بحثا عن تمويل، يتحدثون عن تسليم سلطة لايعرفون عنها سوى الغصب والقتل.
لقد قال كثيرون وحذروا من الذهاب إلى فخ واضح، لكن هناك من تصور البطولة فى الموت، يسيرون خلف تجار المصائب. رأينا نائبا من الأغلبية يهدد فى التحرير بأن المظاهرات أمام وزارة الدفاع تحذير، وعندما تعقدت الأمور، سارع بالتراجع والتملص من مسؤوليته، وهاجم المحرضين، والمرشح الكاذب هو الآخر الذى خرج أنصار له صدقوه إلى الصدام، لم يبذل جهدا لإقناعهم، لأنه لا يريد أن يظهر كذّابا، تخلى عنهم أولا وثانيا، ونفض يديه من الدم الذى سال بسبب أكاذيبه.
الكل يختفى الآن فى دماء الضحايا، الكذابون والمحرضون والانتهازيون، وللأسف فإن المحرضين لايدفعون الثمن.. الأبرياء هم من يدفع ثمن غباء الأغبياء من حياتهم ودمهم. ولا أحد يصاب من الداعين، ولا من اللازقين، بل الأبرياء الأغبياء الذين لايجيدون الاختباء.
إن أسوأ المعارك تلك التى يكون المنتصر فيها مهزوما.. يسقط فيها الأغبياء، ويجنى ثمارها الانتهازيون المناورون. نفس المأساة والخلافات والمزايدات لم نتعلم الحياة، ولا من الموت. وفى انتظار الندابين ومحترفى اللطم. ومنكرى الغباء.
أحداث العباسية.. الميدان والمستشفى، تثبت أن هناك أغبياء يلبسون ثوب الحكمة، ويظنون أنفسهم يفهمون، يدخلون فى أقرب فخ بلا وعى، ويكررون الخطأ، وكلما اكتشف الغبى أنه غبى، يصير أكثر غباء وهو ما أسميه: «جنون إنكار الغباء».