فى المركز الطبى العالمى بطريق القاهرة الإسماعيلية حيث يقبع حسنى مبارك أتخيل وأظن أن العبارة التى تتردد فى أرجاء المكان بصوت مرتفع ويتناقلها صدى الصوت فتتكرر كثيرا على أسماع العاملين والمقيمين بالمكان هى «أنا حمار.. أنا حمار»، وطبعا يظن كل مار وسامع للعبارة أن الرئيس المخلوع يردد هذه العبارة واصفا نفسه ومؤنبا إياها بسبب ديكتاتورية وظلم وفساد شارك فيها وترك لهم الحبل على الغارب مدة ثلاثين عاما، وقد يظن آخرون أن مبارك ينعت نفسه بهذه الصفة لأنه كرجل سار خلف طموحات ورغبات زوجته وابنه والمثل الشعبى يقول اللى يمشى ورا النسوان والعيال يستحمل.
وبغض النظر عن تصورات أى أحد لتبرير هذا التأنيب للنفس، أظن أننى أملك تبريرا أقرب للواقع فى هذه المسألة، فمبارك رغم ما يدعيه من وهن ومرض مازال يقظ العقل مدركا لكل شىء حوله، وبالتأكيد هو متابع لكل حادثة وحدث فى مصر منذ أن ترك القصر الرئاسى ربما بشكل أكبر مما كان وهو فى السلطة، وطبعا الرجل الذى كان فى زمنه يطلقون على جماعة الإخوان كلمة محظورة يراها اليوم هى الحاكمة الناهية الآمرة، والرجل الذى كان فى زمنه أصحاب اللحى والذقون يتوارون يراهم الآن نجوما على الفضائيات، والرجل الذى كان فى زمنه حسين مجاور هو المتحدث باسم عمال مصر لم يعد يعرف من يتحدث باسم العمال الآن، والرجل الذى كانت فى زمنه الأحزاب محظورة إلا على صفوته ورجاله لم يعد يعرف كم عدد الأحزاب الآن، الخلاصة أن المشهد العام تغير تغيرا جذريا وكليا بالنسبة لذلك الرجل القابع فى المركز الطبى كما هو بالنسبة لكل مصرى، ولكن ما الذى أسفر عنه هذا التغيير، وهنا مربط الفرس.
فالمشهد الذى تلا التغيير أسفر عن إخفاق غير مسبوق من كل القوى التى حررتها الثورة فى البلاد فلا البرادعى رمز الليبرالية نجح إلا فى زيادة تغريداته على تويتر، ولا المحظورة سابقا استطاعت أن تحمل ولو حتى كيلو خير لمصر، ولا الأحزاب الستين أو يزيد خلقت حراكا أو وفاقا، ولا أصحاب اللحى والذقون على مختلف توجهاتهم الدينية أو السياسية استطاعوا أن يخلقوا تيارا للإصلاح لا الإرهاب.
والنتيجة أن عامة الناس قد كفرت بكل فصيل سياسى نزل على أرض الواقع، بل أزيدكم خبرا أن أغلب الاستطلاعات للرأى التى تجرى حاليا تصوت بأعلى نسب أن أزمة مصر فى سياسييها وتؤكد أن مأزق البلاد يعود إليهم على اختلاف توجهاتهم.
وعود على بدء فإن مبارك يردد كلمة أنا حمار غالبا لأنه منع هؤلاء جميعا من العمل السياسى، فلو لم يكن حمارا ما منعهم، وكان ترك لهم الحبل على الغارب لأنهم جميعا كانوا كفيلين بشنق أنفسهم شعبيا على أرض الواقع وما كانوا بحاجة لآخرين ليقوموا بذلك نيابة عنهم.
ربما الآن فقط أدرك مبارك أنه أخطأ بحظر أشياء لو أباحها لعزف عنها الناس، ربما الآن فقط أدرك مبارك أن عقله وعقل أمنه كان قاصرا، وربما الآن فقط مبارك رغم تأنيبه لنفسه بأنه حمار فإنه راض عما فعله بنا وبنفسه.. اللهم لا ترضه أكثر من ذلك!