يعرف المجلس العسكرى جيدا أنه ظالم، وقاتل، ومستبد، كما يعرف أن الصحفيين الحقيقيين هم الذين يفضحون استبداده ويقفون أمام ظلمه، يعرف المجلس العسكرى أنه يحاول أن يسرق الوطن من أصحابه الأصليين، لذا فأول ما يفعله، هو أن يطفئ الأنوار لتعمى العيون، وتطيب له سرقته، هو امتداد طبيعى لنظام مبارك الذى شهد آخر أيامه، بفضل ما أتيح للصحافة من هامش للحرية، لذا فالثأر من الصحفيين ثأران، الأول: لأنهم هم الذين أسهموا فى إسقاط سيده، والثانى: لأنهم هم الذين يمنعون يده من اختلاس الثورة والسطو عليها.
ما من مناسبة سنحت لمجلسنا العسكرى المهاب لينتقم من حرية الصحافة، إلا وانتهزها بكل ما أوتى من قوة، مرة يصفى عين زميل، ومرة يتهاون فى الثأر ممن قتلوا آخر، ومرة يعتقل ويعذب ويشتم ويهين، وكان آخر هذه المرات المتكررة، هو ما حدث لصحفيى مصر الشرفاء، أثناء تغطيتهم لأحداث العباسية، ولعلك تعرف أننى لم أكن متحمسا لذلك الاعتصام، وأننى كتبت مرتين ضده عشوائيته وتخبطه، وعدم ترتيب أولوياته، لكن ما حدث من اعتداء وحشى على زملائنا الصحفيين، يدل على أن المجلس العسكرى ورجاله، لم ينسوا ثأرهم من الصحافة، ولم يتركوا البلاد للحكم المدنى كما يدعون.
دون وجه حق، رغم معرفته التامة بأنهم يؤدون واجبهم تجاه القارئ فى نقل الأحداث للرأى العام، وأنهم كانوا مثل الجنود فى أتون المعركة، يقومون بعملهم كتابة وتصويرا وشهادة، فهل عاقب المجلس العسكرى هؤلاء الجنود، لأنهم نقلوا الحقيقة، وهل انتقم منهم لأنهم كتبوا بأيديهم وصوروا بكاميراتهم ما يدور من أحداث الاعتصام والمعتصمين ،سواء كانت تلك الوقائع إيجابية أو سلبية، وهل بهذه الطريقة الوحشية يحتفل المجلس العسكرى باليوم العالمى لحرية الصحافة الذى تزامن مع التنكيل بالصحفيين والإعلاميين؟
أرجوك أن تطلع على التقرير الذى كتبه الزميل خالد البلشى رئيس تحرير جريدة البديل الإلكترونية، ناقلا شهادة الزميلين أحمد رمضان، وإسلام أبو العز، اللذين تعرضا للاعتقال على يد المجلس العسكرى فى أحداث العباسية، فقد تم اعتقالهما يوم الجمعة الماضى بالعباسية، وتم تحويلهما للنيابة العسكرية التى أصدرت قرارا بحبسهما 15 يوما على ذمة التحقيقات، قبل أن يصدر قرار بالإفراج عن الصحفيين، وأثناء هذا تعرضا للسحل والضرب على يد قوات الجيش والشرطة، وكانت نتيجة هذا عدة جروح وفتح فى الرأس وكدمات متفرقة فى جسديهما، وآثار دماء على ملابسهما.
يقول الزميلان إنه بمجرد أن علم رجال المجلس بأنهما صحفيان حتى بدأت حفلة التعذيب بقيادة العميد ممدوح أبو الخير،، صاحب تحية العار لحبيب العادلى، والذى وجه لهما سبابا حادا بمجرد إعلانهما أنهما صحفيان، وكانت الحفلة الأخرى فى سجن طرة بقيادة الرائد أحمد الخولى، الذى كان يقول للعساكر «محدش يضرب» فينهال الضرب عليهما بمنتهى الوحشية والخسة.
سباب بالجملة، وسحل حتى الزنزانة، وضرب عشوائى، وانتهاك لأبسط الحقوق الآدمية، هكذا احتفل المجلس العسكرى بحرية الصحافة، فبعد أشهر طويلة من تشويه الإعلام والإعلاميين، بدأ المجلس فى تنفيذ المرحلة التالية للتشويه، وهى التصفية، ولا تحسب أنى هنا أغضب لزملاء مهنة، تعرضوا للظلم فحسب، لكن غضبتى الأولى «من أجلك أنت»، ومن أجل حقك فى الحصول على معلومة قد تغيب عنك، يحرمك منها من يريدون أن يطفئوا الأنوار ليهنأوا بسرقاتهم.