منذ مطلع القرن 19 شهدت مصر خمس ثورات، 1804 بقيادة عمر مكرم، 1882 بقيادة أحمد عرابى، 1919 بقيادة سعد زغلول، 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، 25 يناير 2011.
ورغم حيوية الشعب المصرى والذى يثور بمعدل مرة كل أربعين عاما تقريبا فأى من الحلقات الخمس للثورة الوطنية الديمقراطية لم تكتمل، ترى لماذا؟
1804 ثار الشعب المصرى، ووضع أول وثيقة دستورية فى الشرق والرابعة فى العالم وفوض الشريف عمر مكرم لحكم البلاد فما كان منه سوى تسليم البلاد لحاكم أجنبى هو محمد على؟ «حكم محمد على هو وأبناؤه وأحفاده 147 عاماً». وفى 1882 توحد الشعب الثائر خلف أحمد عرابى، ولكن عرابى لعدم درايته بالسياسة أدى لاحتلال مصر سبعين عاماً، فى 1919 نجحت الثورة فى الحصول على تصريح 28 فبراير 1922، وصاغت دستور 1923، ولكن قيادات الثورة انقسموا وتفرقوا ووصل الأمر إلى أن قيادتين فى تلك الثورة وهما محمد محمود «تحول للقبضة الحديدية» وإسماعيل صدقى أصبح ديكتاتوراً وكلاهما عطل دستور 1923، وسقط على أيديهم شهداء ومصابون من المصريين أكثر ممن سقطوا فى الثورة، ثم 1952 التى حققت الإصلاح الزراعى وقوانين يوليو الاشتراكية، ونتيجة غياب الديمقراطية تحول الاستقلال الاقتصادى والوطنى الذى أنجزته الثورة إلى احتلال للأراضى المصرية فى 5 يونيو 1967، وتبعية اقتصادية فيما بعد على يد الرئيس الراحل أنور السادات، وصولاً للفساد المطلق فى عصر مبارك.
كل ذلك يعود إلى أن جماهير الشعب المصرى تدفع من أرواحها ودمائها ما يكفى لاندلاع ونجاح هذه الثورات وتسلمها إلى قيادات وطنية إصلاحية لا تؤمن بالثورة، فتقدم مصالحها على مصالح الشعب وتخون الثورة ويدفع الشعب الثمن، هذا ما حدث ويحدث الآن بعد ثورة 25 يناير، ولا فرق بين قيادات دينية أو مدنية أو عسكرية فكلهم حاملون لفيرس الفشل.
سقط مبارك وأعوانه فعاد الثوار للمنازل وسلموا الحكم للعسكر كما سلم جدهم عمر مكرم الحكم لمحمد على! ولعب العسكر والأمريكان بالنخب المدنية والدينية نفس اللعبة التى كان يلعبها القصر الملكى والاحتلال البريطانى سابقاً، فتارة يتحالف العسكر مع الدينيين ضد المدنيين، وتارة أخرى مع المدنيين ضد الدينيين، وفى الحالتين يدفع الوطن من زهرة شبابه الثمن، والشباب الثورى لا حول له ولا قوة، إذ يعطى ثقته دائماً لمن لا يستحق، وهكذا آل بنا الوضع إلى ثنائية الاختيار ما بين معسكر الردة أو معسكر الثورة المضادة أو كما يقول المثل اللبنانى: (مثل الذى فى فمه موس إذا بصقه قطع لسانه وإذا ابتلعه قطع أمعاؤه) وإلى اللقاء فى ثورة قادمة وفشل قادم ورحم الله الأديب عبدالرحمن منيف حينما كتب فى إهداء روايته «حين تركنا الجسر»: «ذكرى خيبات كثيرة مضت وأخرى على الطريق سوف تأتى»، عذرا أيها الشهداء.