قبل ثلاثة شهور أصيب حلمى سالم بسرطان الرئة، ووافق الفريق سامى عنان على علاجه فى مستشفيات القوات المسلحة بعد تدخل الدكتور شاكر عبدالحميد، ولحسن الحظ استجاب للعلاج، وهو قال لى إن الأمور تتحسن «لأنه فى أوله»، قبلها كان قد أصيب بجلطة فى المخ، كتب فيها ديوانه الرائق «مدائح جلطة المخ»، وقبل يومين قال لى عبدالمنعم رمضان إن حلمى أصيب بفشل كلوى ويغسل ثلاث مرات أسبوعيا، قلب ومخ وصدر الشاعر مستهدفون، ولا يستطيع أحدنا مساعدته على تجاوز الألم، سيكتب الأدباء بغضب عن أهمية معالجة الأدباء على نفقة الدولة، وأنا لست معهم، لأنه ينبغى على أن يعالج الجميع على نفقتها، وليس الأدباء وحدهم، وبدون وساطة، وأعتقد أننا لو فشلنا فى تحقيق ذلك ستكون الثورة فشلت، الثورة التى بشر بها حلمى خلال مسيرته الإبداعية وانخراطه فى العمل العام، اتفق أو اختلف معه، لأنك أمام شخص متحضر، مشغول طوال عمره بقضيتى الشعر والحرية، ولم يخضع لابتزاز المتربصين بالشعر الجديد والحرية، يحلو لى دائما أن أقول إننى أعرفه منذ ثورة 19، كنت جاره فى السكن لسنوات طويلة، وعملت معه لمدة عامين مطلع التسعينيات، وصديقى على طول الخط، هو يبحث عن الشعر فى الألم وفى المخلفات التى تركتها الحضارة الجديدة فى الشوارع، هو حزين على ما آلت إليه البشرية من فجاجة، تسعده الحيل الطفولية التى يبتكرها وهو يكتب، لم يقصد أن يكون حكيما ولا رائدا كالآخرين، هو معنى كبير فى الثقافة المصرية النقية، كان أول من تجاوز الخلافات الأيديولوجية الساذجة التى فرقت بين شعراء جيله، هو أكثرهم انفتاحا واستطعاما لتجارب الآخرين، يعرف أن اكتشاف موهبة جديدة أهم من اكتشاف قارة، طريقته فى البحث عن الشعر هى محاولة لتجنب الألم والإحباط، قصيدة جيله - السبعينيات - كانت رد فعل هزيمة يونيو، كانت مليئة بالكوابيس والتهويمات والأحزان، ظل كثيرون فيها، وأفلت منها قليلون، أصبحوا فيما بعد عنوانا لجيل أنجب أحمد عبدالله ومحمد السيد سعيد وأحمد بهاء الدين شعبان وعادل السيوى ورضوان الكاشف وغيرهم، من الذين يشيرون إلى شىء كبير ونافذ داخل وجدان الجماعة الوطنية، حلمى ومحمد بدوى وأحمد طه، هم الأقرب إلى قلبى فى شعراء السبعينيات، لأنهم اعتبروا الحياة هى المصدر الأول للمعرفة، ولم يرسم أحدهم لنفسه صورة غير التى يعرفها عن نفسه، هم متورطون فى الحياة كأشخاص عاديين، يحبون جيرانهم وأقاربهم وأصدقاءهم، ويحترمون خصومهم فى الوقت نفسه، نجا الثلاثة - من وجهة نظرى - من «المرارات» التى أصابت حتى المتحققين فى جيلهم، حلمى أكثرهم إنتاجا وتنوعا ومراوغة ورقة، من الصعب أن تأخذ منه موقفا، لأنك - مهما حدث - عندما تلتقيه ستشعر أنك أمام واحد عزيز عليك من أهلك كنت تنتظر عودته، حلمى لم يطرح نفسه كشاعر يحتكر الوطنية ويتحدث باسم الشعب، هو مصرى يلملم الارتباك والحيرة والشجن والغضب وشظايا الموسيقى ليصنع قصيدته، يخفق مثل الجميع أحيانا، ولكنه فى معظم الأوقات يصيب، ويكون مصدر إلهام إذا كنت معنيا بالكتابة، الأمراض التى تنهال عليه غبية وغشيمة وجاءت فى أيام صعبة، ولكن حلمى - بإذن واحد أحد - سينجح فى السيطرة عليها، وسنعرف - من خلال دواوينه المقبلة - كيف غرر بها.. ليكتب شعرا جديدا عن الفرح.