أرجوك لا تنظر إلى الأزمة المشتعلة بين القضاء والبرلمان على أنها مجرد خناقة بين طرفين على مناطق نفوذ، وأرجوك لا تنظر إليها بمنظار أضيق من ذلك وترى أن ما حدث هو خناقة بين برلمان مرتبك يطارده فشله وفضائح نوابه، وقضاء أصابته هتافات الشارع المضادة بجراح، فأسرع كل طرف للاشتباك فى مواجهة قد تصنع له جوا برتسيجيا – من البرتسيج يعنى- تعوض له بعض مما فات.
أرجوك ضع القضية فى حجمها الكارثة، وانظر إليها من بعيد حتى ترى صورتها كاملة أو بمعنى أدق حتى ترى الأزمة بوجهها القبيح، وتعرف أننا أمام صراع لا دخل للوطن به، إلا إذا وضعنا التضحية به فى عين الاعتبار، نحن ياسيدى أمام صراع حصانات، أمام فئتين من المجتمع هما أكثر الفئات احتكاكا وعملا بالقانون وتشريعاته، وثبت لنا من أزمة تصريحات الكتاتنى والزند ومن قبلها أزمة قانون السلطة القضائية أنهما أكثر فئات المجتمع إهانة للقانون.
ما حدث على مدار الأيام الماضية بين القضاة ونواب مجلس الشعب، وشاهدته أنت بعنيك ممثلا فى شكل مؤتمرات وظهورات فضائية يشبه المعارك الهزلية، وجزء من هذا الصراع المعروف بين الحصانات وجزء من بحث السلطات المتنافسة عن مساحات جديدة من النفوذ تمنح عناصرها تفوقا على عناصر السلطات الأخرى.. وللأسف ياسيدى هو صراع لا يمكن أن تتعاطف مع أحد أفراده، لأنه ببساطة صراع شخصى بحت، مصيبته الحقيقية أنه دائما مايكون على حساب الغلابة من المواطنين.
من هذه الزاوية يمكنك أن تنظر إلى أزمة القضاة والنواب ومن قبلها أزمة المحامين والقضاة، ومن قبلهما أزمة البرلمان والمجلس العسكرى، وترى كيف تفضل هذه الطوائف التى هى الأعلى فى سلم الدولة والمجتمع مكاسبها الشخصية على دولة يعلمون جيدا أنها تترنح وتعانى من «دوخة»، وتجتهد من أجل أن تقف على قدميها بعد الثورة، خيانة هذا الوطن هى التهمة التى يمكنك أن توجهها إلى صدر المتعاركين من أهل القانون الذين اختاروا طريق هدم الدولة بدلا من المشاركة فى بنائها من جديد، وكأنهم يقولون للناس فى الشوارع، لا تثقوا فى القضاء الواقف والجالس ولا فى القبة البرلمانية ومن تحتها، فكيف تثقون فى أشخاص يتصارعون على متر نفوذ زيادة، ويبحثون عن مادة قانونية تمنحهم وجاهة وسلطة إضافية.
من هذه الزاوية سترى منصة قضاء نفخر بها ونتحاكى بنزاهتها، ومع ذلك ينزلون بها إلى فخ المهاترات ومعارك بسط السيطرة والنفوذ، وسترى نوابا فشلوا فى كل شىء إلا الخناق تحت القبة وصناعة الفضائح خارجها. انظر للصورة من تلك الزاوية يا سيدى، وسترى نخبة تسعى لطمس معالم ثورة شابة وهدم الدولة بدلا من هدم النظام الذى انهارت بعض أطلاله، ولكن بقى غبارها ضبابا طائرا يعمينا عن الرؤية، ودخانا أسود يهدد المستقبل بالاختناق.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة