بصعوبة بالغة اتفق السياسيون على أن يتم تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور بتوافق وطنى لتتشكل من التيارات الدينية والتيارات المدنية بنسب متساوية، ليحصل التيار المدنى على نصف المقاعد، ويحصل التيار الإسلامى على نصف المقاعد الأخرى، وبرغم أن هذه التوليفة غير عادلة ولا ممثلة لكل التيارات المصرية، لكنها على أى حال أفضل كثيرا من الجمعية التأسيسية الماضية التى شكلها الإخوان فكانت مسار سخرية الجميع، لا يغيب عن البال هنا أن المجلس العسكرى كان حاضرا وبقوة لإجبار الجميع على التوافق الذى حدث مؤخرا على هذه الجمعية، بما يعنى أن وعود الإخوان بتشكيل جمعية تأسيسية ممثلة لكل أطياف المجتمع كان «طق حنك» وكان سيذهب إلى الجحيم لولا تدخل المجلس العسكرى الذى هدد بإصدار مرسوم بقانون بتشكيل الجمعية التأسيسية، وذلك بالطبع حفاظا على مصالحه وضمانا لوجوده.
ما سبق يدل على أن الإخوان كان يريدون أن يتهربوا من وعودهم بالتوافق، لكنهم ارتدعوا من رد الفعل على الجمعية التأسيسية السابقة، فخشوا من أن تفشل هذه أيضا فيصبح الفشل حليفهم، لكن للأسف لم تدل الأحداث التى وقعت بعد ذلك على أن الإخوان بالفعل تابوا عن الالتفاف، والتهرب من الوعود والتنصل من الاتفاقات، وعلى طريقة «تجيلى هنا أجيلك هنا» حاول الإخوان ومازالوا يحاولون حتى كتابة هذه السطور أن يلتفوا على تشكيل الجمعية، وأن يدسوا الدينى فى المدنى، لتصبح الغلبة لهم، كما لو أن المجتمع جاهل والسياسيين بلهاء، فعند اجتماع الأحزاب للاتفاق على النسب التى سيحصل عليها كل فصيل، فوجئ الجميع أن الإخوان يريدون أن يضعوا كلا من الأزهر الشريف وحزب الوسط على قوائم التيار المدنى، بما يعنى أن الإخوان لا يعترفون بأن الأزهر هو أكبر مؤسسة إسلامية فى العالم، وأن حزب الوسط إسلامى المنشأ والمسار، وفى هذا مغالطة فجة ووقاحة سياسية مريبة تدل على أن الإخوان كما قال الأستاذ فهمى هويدى عنهم «لا يتوبون ولا يتعلمون».
لعلك تلاحظ هنا أنى كررت الاستشهاد بمقولة الأستاذ هويدى أكثر من مرة، لكن برغم كراهيتى للتكرار، فإنى لا أجد أفضل من تعبير الأستاذ هويدى الذى أختلف معه كثيرا بسبب محاباته للإخوان الدائمة ومعاداته لكل ما عاداهم، فهذه شهادة شاهد من أهلهم، فحقا الإخوان لا يتوبون ولا يتعلمون، ولى هنا أن أتشكك فى مقولات مرشحهم الدكتور محمد مرسى الذى يدعى دائما أن الأزهر سيكون مرجعيته إذا ما فاز فى انتخابات الرئاسة، فكيف يقول مرشح الإخوان إن الأزهر هو المرجعية الدينية الوحيدة له وفى ذات الوقت يخرجه إخوانه فى الجماعة من التصنيف الدينى ويضعونه فى التصنيف المدنى، ما يدل على أن ادعاءات التحضر والتمدن التى يدعيها الإخوان باطلة، ولا تستهدف إلا الاستهلاك الإعلامى، وأنها لم تكن ولن تزيد على كونها «سنارة» يجذب بها الإخوان مخالفيهم فى الرأى وكارهيهم فى السياسية.
لنا أيضا أن نعرف من هذه الحيلة الماكرة الخائبة المفضوحة كيفية تفكير الإخوان، إذ كشفت تلك الحيلة الأغبى عن أن الإخوان دائما ما يلفظون المعتدلين، وأنهم يقربون إليهم المتشددين، ولنا أن نتأكد بعد ذلك من المسار المتطرف الذى يجرنا إليه الإخوان ويريدون أن يتسلطوا علينا به، فها هم يعتبرون أكبر مؤسسات العالم الإسلامى مؤسسة غير إسلامية، ذلك لأنهم لا يعترفون بالإسلام إلا على هواهم، ولا يعتبرون من المرجعيات إلا الأكثر تطرفا، ولا يؤمنون بقيم الوسطية والاعتدال إلا من باب الضحك على الدقون.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة