لا مناص ولا مفر من الاعتراف بأن الأسماء الواردة فى لجنة المائة للجنة التأسيسية المنوط بها كتابة الدستور، بها الكثير من الأسماء لا يمكن الاعتراض عليها من ناحية الشكل، فهى تمتلك العقل والمنطق، ونظنهم من ذوى الاتجاهات الديمقراطية. لكن الواقع أن اللجنة تحتوى على كمية من الأسماء التى لا يمكن اعتبارها ممثلة لعموم المصريين، بل إنهم جاءوا بحكم القرب والظروف والارتباك السياسى، بينما غابت أسماء كان من الممكن أن تمثل عناصر اطمئنان، وسط حالة من الشك تجتاح الوضع السياسى.
حتى لو تجاوزنا عن المائة الذين جاء بعضهم بالمجاملة أو بحكم قرابته لصاحب المحل، فإن الشرخ الذى ظهر فى جدران الجمعية التأسيسية هو ذلك الشرخ الذى تم بموجبه تقسيم المصريين فى وقت كانت الكلمة الأكثر ظهورا هى «التوافق»، غاب التوافق وغطاه تقسيم متعسف للمصريين إلى إسلاميين وعلمانيين أو مدنيين ودينيين، وكأنها حرب بين طوائف وليس سعيا لبناء نظام عادل بعد سنوات كان التسلط فيها يقتل العدل لصالح أقلية أو تيار أو تشكيل عصابى، وكأنما يخرج الإسلام من المدنية، ويخرج الأزهر من تمثيل الإسلام فى مصر.
حتى لو كان هؤلاء يسعون لكسب أعضاء إضافيين فى جمعية المرة الواحدة، فإنه يفرق بين الأزهر كممثل للإسلام فى عموم مصر وأحزاب تخلط السياسة بالدين. المصريون بعمومهم مدنيون ومسلمون ولا يجدون تناقضا، لكن هناك من يصر على تأكيد التناقض الغائب، ليشق الصف، كان يكفى أن يكون الأزهر ممثلا للإسلام فى الدستور لكن هناك من أراد أن يمثل سياسيين ذوى ألوان مختلفة.
ربما ننجح يوما فى كتابة دستور لسنوات أو عقود، من هذه اللجنة أو من غيرها، لكننا يصعب أن ننسى أن هناك من تصور أن الأغلبية تدوم له، وشق المصريين إلى قسمين، وهو شق فشل الاستعمار فى فعله، أثناء وبعد ثورة 1919، وفشل الاستبداد فى زرعه، فى ميدان التحرير، الميدان الذى عجز نظام الاستبداد عن شقه كان من الصعب التفرقة فيه بين مسلم ومسيحى صعيدى بحيرى نوبى أهلاوى زملكاوى، اليوم باسم التوافق تقتطع الأكثرية العددية لنفسها، نصف الجمعية، وكأنها تقتطع جزءا من مصر تنأى به، سيردون بأنهم مع الوحدة، بينما الفعل أقوى من أى كلام، لم يكونوا نصف الثورة بل كانوا قسما منها، نسوا كل ما قالوه عن المغالبة والمشاركة، والتقارب والتوحد وتصوروا بيدهم القوة، والقوة ماتزال بأيدى الفقراء والغلابة والصامتين، والصندوق قلاب.
الدستور ليس مجرد مواد عامة مجردة لكنه تعبير عن توازن القوى والفصل بين السلطات، وضمان حق الضعفاء والفقراء وتكافؤ الفرص، هى أمور يمكن الاتفاق حولها لكن ما لا يمكن التسامح فيه هو تقسيم الناس حسب النوايا، والنية يعلمها الله، أيا كانت النتيجة، فقد أصرت الأغلبية العددية على تقسيم أحدث شرخا يحتاج إلى جمعية تأسيسية لإعادة ترميمه.