لو لم يحلم الإنسان بمستقبل أفضل وحياة أكرم ووطن أرحب، لظل كما كان فى بادئ الأزمان، حبيس الكهف، تطارده الأشباح ويطاردها، لا يرى إلا الوحوش الكاسرة والطيور الجارحة، ولا يأكل إلا ما تسمح به الطبيعة، ولو استسلم الإنسان إلى ما فرضته الطبيعة عليه لظل فى مكانه لا يتقدم ولا يقفز ولا يعدو نحو الأفضل، لكنه لم يفعل هذا، تحدى كل هذا الكون الكبير، وأبى أن يستسلم لشروط تعجيزية للحياة، ورفض بكل وضوح أية محاولة للتنازل عن أحلامه، حلم وحلم وحلم، حتى أتى اليوم الذى أعلن فيه أنه سيد هذا الكون، وصار أقوى من الوحوش التى هددته والطيور التى أفزعته، صار الإنسان ملكا، يأبى أن يكون مملوكا، ولو استسلم للحلول الوسط، واستمتع بخاصية التنازل عن الحلم الواعد فى مقابل العيش الرخيص، لظل كما هو، كالحيوان أو أشد هونا وضعفا.
الأنبياء والمصلحون والحكماء والمخترعون حلموا وعانوا حتى يصلوا إلى ما يحلمون، كان الجهلاء يشتمونهم ويعدون عليهم تعثراتهم، لينال منهم اليأس ويقتلهم الإحباط، لكن أرواحهم القوية كانت أشد مما يضعه أمامهم الشامتون، واجهوا ما استطاعوا ولم يرضوا بأكل الميتة ولا التنازل عن إنسانيتهم، فعاشوا كراما، وماتوا عظاما، من خسر منهم معركة اجتهد ليكسب الأخرى، ومن لم يسعفه القدر لتحقيق ما يصبو إليهم، مات على مبدأه صامدا، واضعا بصموده وجهاده مشعل ضوء، سار على نهجه التابعون.
فى هذا اليوم الذى قرر العسكر فيه أن يفصلوا مصر على مقاسهم وأهوائهم بما لا يتعارض مع مصالح راعيهم الأول فى البيت الأبيض، أفضل أن أنتمى إلى حلم الشهداء، أفضل أن أنظر إلى صورهم وأعاهدهم على إكمال الثورة فى يوم تعثرها الأكبر، لم تدر ببالى ولو للحظة فكرة أن أذهب وأصوت لشفيق الذى يدعى أنه مرشح الدولة المدنية، لأنى أعلم أنه متهم بالسرقة والاحتيال ونهب المال العام، وأعلم أيضا أنه لولا الحصانة التى منحها له المجلس العسكرى لكان الآن حبيسا كقائده ومثله الأعلى، وأعلم أيضا أن ادعاءه الانتماء إلى الدولة المدنية مسرحية هزلية يخفى فيها ترسيخه لحكم العسكر، والحفاظ على عسكرة الدولة إلى الأبد، وفى الحقيقة فإنى فكرت بعد حكم المحكمة الدستورية بحل البرلمان أن أصوت لمرسى برغم اختلافى الشديد مع الإخوان، لكن كلما عقدت عزمى على هذا تذكرت واقعة أو تصريحا أو صفقة ضرب بها الإخوان كل توافق وطنى وسعوا وحدهم إلى حتفهم وحتف الثورة، فقلت لنفسى كيف أحافظ على الثورة بأن أدعم من قتلوها فى ظهرها وهم مطمئنون؟
اليوم أنا أعرف أن الذى تستر على شفيق ولم يحقق معه فى التهم المنسوبة إليه، هو ذاته الذى تستر على مبارك وهو ذاته الذى تستر على رموز حكمه قبل الثورة وهو ذاته الذى زور انتخابات مجلس الشعب فى السنوات الماضية، وهو ذاته الذى زور انتخابات الرئاسة فى مرحلتها الأولى وهو ذاته الذى يتستر على جرائم المجلس العسكرى، وهو ذاته الذى يضع اللبنة الأخيرة، كما يظن، فى سور الثورة المضادة، ولهذا قررت أن أنضم إلى حلم الشهداء بوطن حر وحياة كريمة ومستقبل أرحب، وقررت أن أردد هتافا «ماتعبناش ماتعبناش.. ثورة كاملة يا إما بلاش؟