الإذعان هو الإسراع مع الطاعة، وأذعن الرجل، تعنى أنه استعذب الانقياد، ويقال أذعن بالحق أى أقر به، خضع، وعقود الإذعان كما يعرفها القانونيون هى أن ينفرد أحد أطراف التعاقد بكتابة شروط العقد ما يضمن حقوقه ولا يراعى بالضرورة حقوق المتعاقد معهم، وما على الطرف الآخر إلا القبول، أو بمعنى آخر تمثل عقود الإذعان تجسيدا حيا لآليات البلطجة وفرض الرأى بالقوة اعتمادا على ضعف المتعاقد معه، فلا يكون للطرف الآخر أى مجالات للتفاوض ولا إضافة البنود الضامنة لحقوقه، ولا يكون له أيضا أية فرصة للاعتراض على ما بالتعاقد، لأن لسان حال هذه الآلية يقول «خذ العقد كما هو أو اتركه كما هو» وفى حالة إقراره من طرف واحد يملك القوة والسطوة يكون خيار أن نتركه كما هو معدوما، وغير متحقق، تماما كما حدث أمس الأول حينما قرر المجلس العسكرى بمفرده ما أسماه بـ«الإعلان الدستورى» وما هو فى حقيقة الأمر إلا إذعان طرطورى، وفيما سبق تم شرح لماذا هو إذعان، أما عن لماذا هو طرطورى، ذلك لأنه يجعل من الرئيس القادم مجرد طرطور، لا يهش ولا ينش، ولا يتسلم سلطة ولا يكون له الحق فى أن يبت فيها، فقد استأثر المجلس العسكرى لنفسه بجميع الصلاحيات ومنها التشريع وكتابة الدستور وإعلان الحرب، أما الرئيس فليس له إلا مصمصة الشفايف، وحضور المراسم وتحية الجمهور.
انتظرنا خلال الأيام الماضية أن يصدر المجلس العسكرى إعلانا دستوريا ليحدد صلاحيات الرئيس، فإذا به يصدر إعلانا يحدد به صلاحياته هو، ما يؤكد أن هذا المجلس لا يهتم إلا بمصالحه الفئوية ولا يخطط إلا لمقدار ما سيحصل عليه من نصيب فى كعكة السلطة المصرية، فى تجسيد حى وواقعى لديكتاتورية العسكرى المقيتة، والتى لم يكن ينقصها إلا أن تتزوج زواجا شرعيا بالديكتاتورية الدينية، فالأول يستخدم الوطنية سلاحا مشهرا ضد من يعارضونه، والثانى يستخدم الدين سلاحا ضد المناهضين، وبين هذا وذلك تتمزق أهداف الثورة وأحلامها.
لا شرعية لمجلس العسكرى ليصدر بها إعلانا دستوريا ليحدد صلاحياته واختصاصاته ويجعلها فوق رقاب الجميع، فالجميع يعرف أن المجلس لم يأت عبر انتخاب حر من الشعب المصرى، وأتى بالشرعية الثورية التى أعلنت رضاءها عنه بالهتاف الشهير الذى ردده الملايين «الجيش والشعب إيد واحدة»، ولكنه برغم ذلك تمسك بشرعية تعيين مبارك له، ولما أراد أن يمكن لنفسه عبر استفتاء جماهيرى ادعى أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية بنعم هو اعتراف ضمنى بشرعيته من الشعب، وبرغم ذلك أصدر المجلس إعلانا دستوريا مخالفا لما جاء بالاستفتاء من بنود، حيث أقر الاستفتاء بأن الذى يشكل الجمعية التأسيسية هو مجلس الشعب، وأن للنواب أن يجتمعوا لينتخبوا من أعضاء الجمعية التأسيسية، وليس للمجلس العسكرى، لكن العسكرى بما يملك من صلاحيات ديكتاتورية أهدر كل المبادئ الدستورية واستولى على حق التشريع من مجلس الشعب بعد أن أمر بحله، كما يحاول أن يستولى من الآن على الجمعية التأسيسية للدستور منتزعا اختصاصات مؤسسات الدولة الشرعية، وجاعلا من الريس القادم طرطورا كبيرا.