شادية

أعادتنى الأزمة الصحية التى تعرضت لها الفنانة العظيمة شادية إلى مقال كتبته عنها فى يناير عام 2010، ومع دعوات بشفائها أعيد نشره:

يأتينى صوت شادية الجميل فى كل وقت حتى لو لم أسمعه، وحين يحلو الغناء مع نفسى، لا أجد أجمل من أغانيها: «غاب القمر»، و«قال لى الوداع» و«خلاص مسافر»، و«همس الحب» و«يا حبيبتى يا مصر» و«آخر ليلة»، وغيرها من أغانيها الرائعة.

انتبهت إلى شادية وأنا طفل صغير عام 1970، حين هرولت أمى على صراخ أمام دارنا، لأن خالتى الكبرى «أطال عمرها» دخلت فى غيبوبة، وكان على فراشها راديو أحمر صغير لا يعرف أحد أنه يحمل سر ما حدث، ولما أفاقت قالت ودموعها تنهمر: يا ولاد أنا افتكرت عبده لما سمعت شادية بتغنى: «قولوا لو عين الشمس ما تحماشى، أحسن حبيب القلب صابح ماشى».

عبده الذى تذكرته خالتى كان اسم الشهرة لعبدالحفيظ ابن خالى الكبير الجندى وقتئذ فى الجبهة الأمامية، والمقاتل فى حرب الاستنزاف، وكان يغيب بالشهور، تاركا القلق للجميع، وتعد جدتنا وأبناؤها أيام غيابه، ومع عودته يعم الفرح دارهم الكبيرة، فتشرف الجدة على تجهيز أشهى الأطعمة، ونحظى نحن الأطفال بمنحة القرش صاغ من خالى الكبير عبدالرحمن والد عبده رحمهما الله، وخالى الثانى عبدالعزيز أمد الله فى عمره، كان الفرح يمتد إلى كل قريتنا، كوم الآطرون طوخ قليوبية، فالزمن لم يكن غادره الوفاء بين الأهل والأحبة، وكان صوت شادية انعكاسا صافيا لهذا الزمن بأحزانه وأفراحه.

نقلتنى غيبوبة الخالة والقلق على ابن الخال لصوت شادية، ليسكن قلبى من وقتها وحتى الآن، وظل يسرقنى إلى فضاء الوجدان بتذوق كلمات وألحان أغانيها، وقماشة صوتها الرائع الذى يقود الملحن إلى تلوينه، فالرائع بليغ حمدى تمكن من استخراج الشجن فيه، وأغنية «يا حبيبتى يا مصر» نموذج فى التعبير الوطنى الشجى، ولهذا تسكن الوجدان، أما الرائع محمد الموجى فمزج فى أغنيتها «غاب القمر يا ابن عمى» الشجن بالصور التعبيرية، وكان صوت شادية بارعا فى كل ذلك.