لعلك قرأت ما كتبته أمس فى هذا المكان بعنوان «قل «إذعان طرطورى» ولا تقل «إعلان دستورى» منتقدا كل محاولات المجلس العسكرى للهيمنة على السلطة فى مصر وكل حيلة يبتكرها لنفخ صلاحياته وتقليص صلاحيات غيره، ولعلك تعرف أيضا أنى كنت أول من يقول إن الإعلان الدستورى غير دستورى لأنه يبطل عمل المواد التى استفتى عليها الشعب ويمنح المجلس العسكرى الحق فى تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور بالخلاف للمادة 189 التى وافق عليها الشعب فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية والتى تقول إن الجمعية التأسيسية للدستور ينتخبها أعضاء مجلسى الشعب والشورى بالأغلبية، وإن كنت من الذين يتابعون هذه الزاوية ستعرف بكل تأكيد أن كاتب هذه السطور أبعد ما يكون عن مناصرة المجلس العسكر وقراراته التى أراها خاطئة وكارثية، لكن هذا كله لا يجعلنى أشعر بالارتياح من تصريحات وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» التى حذرت فيها المجلس العسكرى معربة عن قلقها بشأن الإعلان الدستورى المكمل، وأرى –بلا مواربة– أن هذا التصريح يمثل وقاحة فجة من جنرالات أمريكا ولا يجب لنا أن نروج له ولا أن أفرح به.
ما يزيد الاستفزاز فى هذه التصريحات هو مصدرها، فالبنتاجون كما يعرف الجميع جهة عسكرية وليس جهة سياسية، ونعرف جميعا أن العسكر حينما يتكلمون يخفون وراءهم دبابة، وتصدر تصريحاتهم حاملة رائحة الذخيرة الحية، ولو كانت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون هى مصدر هذه التصريحات لمر الأمر بسلام باعتبارها شخصية سياسية لها أن تبدى رأيها السياسى فيما يجرى فى دول العالم، خاصة مصر التى تعتبر اللاعب الإقليمى رقم واحد فى المنطقة، لكن أن يصدر التصريح عن وزير الدفاع الأمريكى ليون بانيتا فهذا ما لا يمكن قبوله ولا تصوره.
نعم المجلس العسكرى قاتل ومستبد، ودمر ثورتنا العظيمة، لكن شعورى الوطنى الخالص لا يسمح بأن يتم تهديد المجلس العسكرى من قوة خارجية أعلم أنها لا تريد الخير لمصر، وأنها دعمت هذا المجلس حينما استبد بنا وأراق دمنا فى الشوارع، لكن أن يتم تهديد هذا المجلس من الشخصية العسكرية الأولى فى العالم وأن يرحب بنو وطنى بمثل هذا التهديد، فهو الأمر غير المقبول، فلو كان بيننا وبين المجلس العسكرى خصومة سياسية فلأنه كان رجل أمريكا الأول، أى أن الجزء الأكبر من خلافنا الدائم مع المجلس العسكرى بسبب تبعيته الدائمة لأمريكا، وحفاظه على مصالحها واستقوائه بها، لكن أن تداعب أمريكا الإخوان المسلمين بتهديد المجلس العسكرى بهذه الطريقة، فهذا ما يأباه من تجرى فى عروقه نقطة دماء وطنية.
لم أنس إلى الآن ما صدر من القيادة الأمريكية من تصريحات فى يوم 26 يناير 2011 وهى كانت فى هذه المرحلة تدعم مبارك بكل قوتها، إذ قالت هيلارى كلينتون إن أمريكا تثق فى الحل الأمنى للاحتجاجات فى مصر، وهى بذلك أعطت الضوء الأخضر لرجال أمن مبارك أن يبيدونا فى الشوارع، ولم أنس أيضا إلى الآن أنها دعمت المجلس العسكرى بكل قوة حتى حج إليها الإخوان وطمأنوها على مصالحها، وأعتقد أنه لو راهنت أمريكا على الإخوان مهددة المجلس العسكرى بقوة وزارة الدفاع فإنها بذلك تحرق كل سفنها وسفن جماعة الإخوان المسلمين التى أدعوها بكافة فروعها فى مجلسى الشعب والشورى وحزب الحرية والعدالة وحملة مرسى رئيس إلى استنكار هذه التصريحات إن كانوا حقا يتمتعون بقدر من الغيرة الوطنية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة