هذا هو المقال الأخير حول قوانين الفن، والذى تابع هذه المقالات لا شك لاحظ أن حديثى كله كان مُركزا على ما هو ثابت فى الفن.. أى القوانين التى لا تتغير. تحدثنا عن الشعر والرواية والسينما والفن التشكيلى باعتبارها الفنون التى تشهد هجوما سخيفا من التيارات الرجعية التى تتمسح بالإسلام، أو بالأديان عموما، وفى هذه المرة نتحدث عن المتلقى الذى تأخذه هذه التيارات ذريعة فى الهجوم، فتسمع منهم دائما من يقول لك كيف يقرأ ابنى رواية مثل هذه؟ أو كيف يرى ابنى أو ابنتى فيلما كهذا؟ أو كيف ترى زوجتى؟ أو كيف يقف ابنى أو ابنتى أمام لوحة عارية؟ إلى آخر هذا الكلام الذى نسمعه فى كل هجوم على عمل فنى أو أدبى. ومنذ البداية فكل ما يتصورون أنه جنس أو عيب، يعكس فهم هؤلاء الناس للفنون، والذى حاولنا شرحه فيما سبق، وأنا أعرف أنه لا فائدة ترجى مع أكثرهم، لماذا؟ لأنهم أيضا مثلهم مثل أى متلق ليسوا نوعا واحدا من البشر، أقصد ثقافتهم، ومنهم من يقتنع وهو القليل، ومنهم من لا يقتنع وهو الكثير، لأنه أغلق عقله على ما يفهم هو فقط من الفن.. والقيادات العليا منهم لها هدف سياسى فى إشاعة الظلام.. ولأنهم يختلفون فى التلقى، كذلك جمهور المتلقين يختلف.. أعمار المتلقين مختلفة، وفى العالم كله لا يشاهد الأطفال أفلام الكبار، بل ينام الأطفال فى الثامنة مساء إلا فى بلادنا، وهذا خطأ كبير. بعد الأطفال يأتى الفتيان، وهم أيضا بدورهم لهم كتب خاصة بأعمارهم، والموهوبون منهم يقبلون على الأدب والفن، ومن ثم لا مشكلة. أما الكبار فثقافتهم قد تكونت، وليسوا كلهم مثلا يحبون الفن التشكيلى، فهو بالنسبة لهم أمر معقد، وأقلهم يقبل على الفنون عامة، أويعرفون كيف يفرقون بين ما هو جنس لذاته، وما هو فن يسعى إلى الجمال، لكن الأهم من ذلك كله أن الفنون كلها تتحول فى اللحظة التى يتم نشرها ككتاب، أوعرضها فى معرض فنى أو فيلم سينمائى، إلى سلعة فى السوق، رغم أنف صاحبها الذى يتصور أنها عمل له قداسته وقيمته الروحية العالية.. وهى كسلعة ومنتج فى السوق لا تجبر أحدا على شرائها، ولا الذهاب إلى الفيلم لرؤيتها، وكذلك المعرض الفنى، حتى التليفزيون، فهناك مئات القنوات، وهناك فى يد المتفرج «الريموت» يستطيع به أن يتحول عن السلعة التى لا يحبها إلى السلعة التى يهواها. قنوات التليفزيون ليست مقررة على أحد، ولا دور السينما ولا الكتب، وليس هناك امتحان آخر العام للجمهور فيما شاهد أو يشاهد. الأمر نفسه فيما يختص بالفضاء الافتراضى، الإنترنت، فكما به مواقع إباحية به مواقع ثقافية وعلمية وسياسية وغيرها، وكل يستطيع أن يبحث عما يحب، فلا مشكلة مع المتلقى والفنون، لكن المشكلة هى فى الحالة التى عليها المتلقى، كلما ارتفعت ثقافته وذوقه ذهب إلى الأجمل، وكلما انحطت ذهب إلى الأقبح، وكلما كان سويا من الناحية النفسية ذهب إلى الأجمل، وكلما كان غير سوى ذهب إلى الأقبح. فى أوروبا وأمريكا مثلا سينمات تعرض الأفلام الإباحية، تجعل لها حفلة واحدة هى الحفلة الصباحية، يكون خلالها الطلاب فى مدارسهم والناس فى أعمالهم. إذا مررت أمام هذه السينمات تجد من يقف أمامها ينتظر الدخول دائما من كبار السن المحرومين جنسيا، والغرباء من أفريقيا وآسيا والعالم العربى، المحرومين أيضا من الجنس الطبيعى، والكثير جدا منهم تجد على أشكالهم قلقا وتوترا شديدا ليس خوفا من شىء، ولكن طبيعتهم النفسية غير مستقرة، ودائما أعدادهم قليلة جدا قياسا إلى جمهور السينمات العادية. إنهم نوع خاص من المتلقين ليس هو السائد، ولا أحد يقول إننى لا أستطيع أن آخذ ابنى أو ابنتى إلى هناك، لأنه منذ البداية لا يجب أن تأخذ ابنك أو ابنتك إلى هناك إلا إذا كنت مجنونا.. بالضبط كما لا يجب أن يسهر طفلك أمام التليفزيون بعد الثامنة، ولا يجب أن يجلس جوارك وأنت تشاهد فيلما سينمائيا، لكننا هنا للأسف يأخذ البعض منا أطفاله إلى السينما، رغم أن السينما تقيم حفلات خاصة للأطفال، وتعرض أفلاما خاصة بالأطفال، أو على الأقل كان يحدث هذا زمان، وكانت حفلة سينما مترو الصباحية يوم الأحد، ثم صارت يوم الجمعة للأطفال من أجمل الحفلات التى تذهب إليها العائلات مع أطفالها.. باختصار حجة الأبناء حجة تافهة، لأنه من الأصل يجب أن تعلم أبناءك ماذا يشاهدون ومتى وكيف، فهم ليسوا فى سنك، ولا فى عقلك، ولا يجب أن يكونوا حجة على الفن، أما الأهم أيضا فهو أن يفهم هؤلاء الناس معنى الفن، ومعنى الجمال، وقوانين الفن والجمال ليدركوا أن الفن الأدب أوثق بالروح منهما بالجسد الذى حيرهم، ولا يرون العالم إلا من خلاله، رغم أنهم كما يقولون عن أنفسهم أنهم متدينون، وأحيانا الدين نفسه، كما نسمع من بعضهم حين يرتكب جريمة فيقول لا تهاجمونى لأننى أنا الإسلام!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة