الميادين والمظاهرات لم تحسم عملية ديمقراطية فى دول عديدة انتفضت وثارت على حكامها وأنظمتها الاستبدادية والديكتاتورية ثم لجأت إلى صندوق الانتخابات والتى أفرزت نتائجه رؤساء على غير هوى ورضا المتظاهرين والثوريين، وفى الأخير احتكم الجميع لإرادة الصندوق واحترام اختيارات الشعب واحترام أحكام القضاء، مهما كانت قسوة النتيجة.
ما يحدث الآن فى مصر من ضجيج إعلامى وعبث سياسيى حول نتيجة الانتخابات الرئاسية التى لم تحسمها اللجنة العليا للانتخابات يشبه ماحدث فى أوكرانيا عقب الثورة البرتقالية وفى أوكرانيا عقب الإطاحة بشاوشيسكو وحتى فى الولايات المتحدة الأمريكية فى واقعة الانتخابات الشهيرة بين بوش وآل جور.
تيارات الإسلام السياسى فى مصر استبقت إعلان النتيجة الرسمية وأعلنت فوز مرشح الإخوان رغم الجدل الدائر حاليا عن وجود وقائع تزوير وتسويد بطاقات وطعون مقدمة من كلا المرشحين المتنافسين، الدكتور محمد مرسى والفريق محمد شفيق، وخرجت تصريحات مقلقة من رموز وقيادات الإخوان والسلفيين بالتهديد «ببحور الدم» و«زحف الملايين» إذا لم يتم إعلان فوز مرسى، وتحولت فجأة إلى تيارات ثورية ونزعت عنها رداء الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتفرض لغة الدم بدلا من لغة الحكمة والتعقل ومحاولة فرض الأمر الواقع والترويع والتخويف والتهديد بالفوضى بديلا عن الاستقرار فى حالة فوز شفيق، وهو ذاته المنطق الذى هدد به مبارك قبل الإطاحة به.
الثورة البرتقالية فى أوكرانيا التى أبهرت العالم مثلما أبهرته الثورة المصرية أسفرت انتخاباتها الرئاسية عن فوز حليف النظام البائد، «الرجل الشرير» فيكتور يانكوفيتش بل أصبح بعدها الأكثر شعبية من يوليا تيموشينكو رئيسة الوزراء ورمز الثورة المتوهج. أدرك الشعب الأوكرانى أن الأحلام الثورية شىء وممارسة الديمقراطية عبر صناديق الانتخابات شىء آخر.
الحالة تكررت أيضا فى رومانيا وجاءت نتيجة الانتخابات الرئاسية بفوز ترايان باسيسكو عضو الحزب الشيوعى خلال فترة حكم الديكتاتور الرومانى نيقولاى شاوشيسكو، وفاز باسيسكو بفترة رئاسية ثانية وصور نفسه أنه «بطل من الشعب» ومحارب النخبة السياسية الفاسدة.
الولايات المتحدة الأمريكية التى تمنح لنفسها الحق فى التدخل فى الشؤون المصرية، احترم شعبها أحكام المحكمة الفيدرالية فى انتخابات بوش-آل جور وأعلنت فوز بوش رغم كل الشكوك التى أحاطت بفوزه.
الثورة قد لا تحقق أحلامها عبر صناديق الانتخابات، وإنما عبر نضال سياسى بأهداف ورؤية واضحة.