حل البرلمان الهيئة الوحيدة المنتخبة من الشعب المصرى، ثم إصدار إعلان دستورى مكمل من قبل العسكر ينتزعون فيه سلطة التشريع لأنفسهم من غير تفويض من الشعب، وإنما بحكم قوة تغلبهم وبحكم قوة الأمر الواقع DeFacto، كما يمنحون لأنفسهم حق الاعتراض على الهيئة التأسيسية للدستور، وهى الهيئة التى تؤسس بتفويض من الشعب للنظام السياسى الجديد، أى أنهم أعلى من تلك الهيئة التأسيسية، ويمنح العسكر لأنفسهم أيضا أن يكون الجيش وميزانيته وتعيين قياداته وترقياتهم خارج نطاق المساءلة والمحاسبة، فلا يملك الرئيس القادم أن يتدخل فى هذه القضايا التى تخص «العسكرى» وحده، أى أن الرئيس لم يعد هو القائد الأعلى للقوات المسلحة فى الحقيقة.
وسارع العسكرى أيضا بإحياء مجلس الدفاع الوطنى والأغلبية فيه للعسكريين ولا يملك الرئيس القادم فيه سوى صوت واحد، بينما القرارات التى يتخذها المجلس تتم بأغلبية الأصوات، ماذا يتبقى بعد حتى لا نصف ما يجرى من جانب المجلس العسكرى بإرادته المنفردة وحده دون أى تفويض شعبى سوى أنه انقلاب عسكرى. لا أعرف من أعطى المجلس العسكرى كل هذا الغرور وتلك الجرأة التى تجعله ينصب نفسه القوة الأعلى والمهيمنة فى المشهد السياسى المصرى بحيث يعيد صياغته وفق ما يريد ويهوى دون اعتبار للشعب المصرى الذى هو مصدر السلطات فى الواقع، المدهش أن العسكرى لا يريد لأحد أن يعارضه باعتباره هو المعبر عن المصلحة الوطنية العليا لمصر، بينما الشعب المصرى بعد الثورة هو من يحدد أين تكون مصلحة بلده، لقد تحرر الإنسان المصرى ولم يعد طفلا يحتاج لمن يحدد له مصالح أوطانه، جاوز الشعب المصرى بعد ثورته طور الوصاية عليه وبلغ تمام النضج والاكتمال بعد ثورة بذل فيها شبابه الدماء من أجل نظام سياسى مدنى يكون الشعب فيه هو صاحب الكلمة العليا وليس أحد غيره.
ما جرى فى الأسبوع الأخير فى مصر هو انقلاب عسكرى كامل الأركان، فقط لم تتحرك فيه الدبابات، ولذا وصفناه بأنه انقلاب ناعم، وفى تركيا أطلقوا عليه انقلاب ما بعد الحداثة، حيث لا تتحرك الدبابات بشكل خشن، وإنما تعمل أدوات الدولة العميقة ذات الطابع القانونى لتحقق الأهداف السياسية للانقلاب.
الخطوة الأخيرة فى الانقلاب الأخير على الثورة المصرية وعودة الدولة القديمة العميقة هى التلكؤ فى إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، وعدم إعلان فوز محمد مرسى مرشح الإخوان والثورة كأول رئيس مدنى منتخب فى التاريخ المصرى، التلكؤ وبث الإشاعات التى تتحدث عن خطأ فى الأرقام هو استكمال للانقلاب العسكرى على الثورة والشعب المصرى.
حانت الآن لحظة الحقيقة وعلى الشعب المصرى الذى أسقط الطاغوت السابق أن يستعيد عافيته لحماية مكتسباته وأهمها حقه فى نظام سياسى مدنى يعبر عن أجندة الثورة وأهدافها، وعلى رأسها أن يكون الإنسان المصرى هو أصل شرعية ذلك النظام وأن يكون النظام خادما له لا وصيا عليه.
كما سقطت الفاشية المستبدة لنظام مبارك، فإننا لا نريد فاشية عسكرية تستند إلى قوة الدبابة والبيادة فى مواجهة الشعب، على كل القوى الوطنية الثورية أن تتوحد جميعا من كل الأطياف السياسية لتسقط حكم العسكر، وتمنع إعلان رئيس مزور لشعب قام بثورة ولا يمكنه العودة عنها حتى لو كلفه ذلك مزيدا من التضحية والفداء والبذل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة