الانتقام أصبح أهم من التقدم، والاستبعاد أهم من الاختيار. وأصبحت التحركات السياسية لكثيرين هدفها هزيمة الخصوم وليس الانتصار. وقد كانت الانتخابات الأخيرة أبرز مثال على هذا، حيث كان التصويت فى انتخابات الإعادة من أجل الاستبعاد وليس من أجل الاختيار.
كثيرون صوتوا لمحمد مرسى رفضا لأحمد شفيق، وهناك من صوت لشفيق رغبة فى إبعاد مرسى. أى أن الطرفين لم تكن القناعة وحدها تحكم التصويت بل الانتقام.
وعليه فإن الفائز فى كلا المرشحين للرئاسة سيفوز بفارق بسيط، ناهيك عن أن هناك نصف الناخبين رفض كلا المرشحين، ومع الاعتراف بأن الفائز سيكون فائزا بإرادة الناخبين، إلا أنه سيأتى فى وسط متشكك فيه وقطاع رافض لوجوده، وعليه أن يسعى لكسب خصومه ومعارضيه أكثر من مؤيديه.
التصويت فى انتخابات الإعادة يعكس رغبة فى الانتقام أكثر من رغبة فى الاختيار، ورد الفعل أكثر من الفعل. وحتى فى الكثير من المواقف والتقارب أو التباعد فى المواقف، غالبا من تنضم بعض القوى المحسوبة على الثورة مع خصومها لإزاحة خصم آخر، وهذا التحالف الوقتى لا ينتج موقفا بديلا بقدر ما يبقى ضمن رفض الموقف القائم.
وسط ردود الأفعال تختفى مطالب التيارات والأفراد، وتظهر الرغبة فى الانتقام أو تصفية الحسابات الشخصية.
خلال الشهور الماضية تم استدراج كثيرين لدعم حالة الانتقام المتبادل واختفت المطالب التى يفترض أنها تمثل أهدافا يجب السعى من أجلها. فقد رأينا مليونيات لرفض المادة 5 من قانون الانتخابات والتى كانت تمنع ترشح الأحزاب على المقاعد الفردية، وتم الضغط لإلغائها مما أدى فى النهاية لإبطال قانون الانتخابات. وعندما ظهرت وثيقة على السلمى خرجت مظاهرات دعا لها الإخوان والسلفيون وشاركت القوى الليبرالية والثورية لرفض الوثيقة التى تحدد معايير الجمعية التأسيسية وقواعد الدستور، وبعد سحب الوثيقة لم يظهر أحد ليقول ما هو البديل، الأمر الذى أبقى الجمعية التأسيسية معلقة وتأخرت مرة واثنتين.
كان رفض الاقتراحات هو الأصل بينما طرح البديل غائب. ونفس الأمر فيما يخص الإعلان الدستورى المكمل الذى خرج كثيرون لإعلان رفضه، دون أن تقدم الإخوان بديلا له وما هى الخطوات التى يجب البدء فيها للخروج من المأزق. بدا الإعلان المكمل وكأنه رد على تأخر تشكيل الجمعية التأسيسية، ورغبة الأغلبية البرلمانية فى السيطرة عليها، وبالرغم من رفض الإعلان لم يقدم الإخوان أو الأغلبية البرلمانية بديلا. ولم يقدروا انضمام التيارات الليبرالية والثورية إليهم. وفيما يخص حكم الدستورية العليا ببطلان قانون مجلس الشعب، بدت الأغلبية تتبنى مبدأ سيد قراره وتقف ضد حكم الدستورية لأنها مع الأغلبية بينما كانوا يؤيدون الحكم من قبل عندما لم يكونوا أغلبية.
نحن فى وضع استقطاب، وربما على القوى السياسية أن تسعى لتحديد أهدافها، وألا تنسى فى غمرة الرغبة فى الانتقام مناورات قد تجعلها مجرد أداة جديدة، وتنسى أهدافها فى الدستور وتداول السلطة والعيش والحرية والعدالة.