أعتقد أن شخصا مثلى لا يحتاج إلى تبيان رأيه فى العسكر أو حكمهم، كما أعتقد أن جولة واحدة فى عشرات المقالات التى كتبتها فى هذا المكان تؤكد بما لا يترك للشك ثغرة أن كاتب هذه السطور من أوائل الذين هتفوا ضد العسكر وقت أن كان إخواننا الإسلاميون يهتفون فى جمعة الشريعة، الشهيرة بجمعة قندهار الأولى- التحرير «يا مشير يا مشير مليون تحية من التحرير». وكان من أخريات المقالات التى كتبتها هنا تلك التى هاجمت فيها الإعلان الدستورى المكمل، وقلت إنه «إذعان طرطورى» وليس إعلانا دستوريا، وهو المصطلح الذى تداوله الكثيرون بعد ذلك، ومن ثم أعتقد أنه لا يمكن لعاقل أن يتهمنى بمحاباة العسكر أو الوقوف فى صفهم، ولكنى أجد نفسى مضطرا لكتابة هذه السطور، حتى أضع من يشكك فى النوايا أمام الحقائق التى لا تقبل الشك، ذلك لأننا قد وصلنا إلى حد كبير من الاستقطاب الحاد، والرمى بالاتهامات دون دليل أو حجة، ولكننى فى ذات الوقت أؤكد أننى لا أنشغل إطلاقا بمن يتمترس بالأيديولوجيات المعلبة، ويضعها فوق عينيه كالعصابة السوداء، لأننى أعرف أنه «وَمَنْ يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَريضٍ يَجِدْ مُرًّا بهِ الْمَاءَ الزُّلالا».
بعد هذه المقدمة الطويلة أجدنى مضطرا أيضا أن أعلن عن ارتيابى من موقف أمريكا من الانتخابات المصرية ومستجداتها، حيث إنه بات معروفا للقاصى والدانى أن أمريكا تدفع بقوة من أجل فوز المرشح الإخوانى محمد مرسى، وتغليب كفته على المرشح «الفلولى العسكرى» أحمد شفيق، وبرغم أن الاثنين من وجهة نظرى لا يختلفان كثيرا، لكنى كنت أعتقد أنهما يختلفان من وجهة نظر أمريكا، وقد كنت أحسب أن شفيق هو الأقرب لها لقرابته من «مبارك» حليفها الاستراتيجى، لكن ها هى الأيام تخبرنا أن الأمور لم تعد كسابق عهدها، وقد «عشنا وشوفنا» اليوم الذى تدافع فيه أمريكا عن المرشح الإخوانى بكل قوتها، وبكل مسؤوليها دفعة واحدة.
تهور أمريكا فى الدفاع عن الإخوان عامة، ومرسى خاصة، أنساها جميع الأعراف الدولية والدبلوماسية، فقد ارتكبت أمريكا حماقات سياسية كبيرة فى هذا السياق، أولها أنها تدخلت فى أحكام القضاء المصرى، وأدانت حل مجلس الشعب الذى أوصت به المحكمة الدستورية العليا، فى حين أن كل القانونيين بمن فيهم قانونيو الإخوان يعرفون أن قرار المحكمة سليم، لكن يبدو أن أمريكا فى حماستها للدفاع عن مرسى نست أنها تتدخل فى شأن شديد الحساسية، كما أنها سمحت لوزير دفاعها أن يهدد المجلس العسكرى ويحذره من عدم إعلان فوز مرسى، وهو ما لم نسمع عنه قبل اليوم. والغريب أن جماعة الإخوان المسلمين التى أسست شعبيتها على الهجوم على تبعية مبارك لأمريكا، لم تنبس ببنت شفة إزاء هذه التصريحات المستفزة «وطنيا»، وبدلا من أن نكون «أنا وأخويا على ابن عمى وأنا وابن عمى ع الغريب» أصبح الوضع عند الإخوان على طريقة «أنا والغريب على ابن عمى».
هتفت ضد العسكر، وهاجمته فى مقالاتى وفى لقاءاتى وشهاداتى، ودافعت عن الإخوان حينما اتهمهم شفيق بالتورط فى موقعة الجمل، لكننى لا أقبل أن تتدخل أمريكا فى شأن قضائى مصرى، وأن تحذر المجلس العسكرى ورائحة البارود تنبعث من فمها، وبرغم أنى هاجمت القضاء المصرى كثيرا، وناديت بتطهيره أكثر من مرة، وتضامنت مع الإخوان فى صراعهم مع الزند، لكنى لا أسمح أبدا بأن تتدخل أمريكا فى التعليق على الأحكام القضائية، أو الإسهام فى الإساءة للقضاء المصرى، فبئس التطهير إن كان على يد أمريكا وحلفائها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة