نحن بلا شك فى زمن يشبه فى التاريخ زمن الفتنة الكبرى التى حدثت فى نهاية عهد سيدنا على رضى الله عنه فى نهاية عصر الخلافة الرشيدة، زمن حكاياته توجع القلب على حال المسلمين حين انقسموا لشيع وفصائل وتاهت فيه الحقيقة فيمن على حق ومن على باطل، هل هم هؤلاء الذين يطالبون بدم عثمان يتزعمهم معاوية، أم هم هؤلاء الذين يرون مبايعة الخليفة والتجاوز عن الثأر من قتلة عثمان يتزعمهم على بن أبى طالب، فى زمن الفتنة الكبرى توزعت العقول والقلوب وطار عقل الأمة التى فارقها محمد صلى الله عليه وسلم قبل ثلاثة عقود، فى ذلك الزمان حين بدت الحقيقة مختلطة بالضلال قرر بعض كبار صحابة الرسول وأنصاره ممن عاصروه أن يعتزلوا الفتنة ويلتزموا بيوتهم غير موالين لفريق دون آخر....
وقد يكون من حق الكثير من المصريين فى مثل هذه اللحظات بل هو حادث بالفعل أن الملايين منهم قرروا أن يكونوا من المعتزلة ويعتزلوا هذا الصراع الدائر رحاه ليل نهار بين كل أطياف الفصائل السياسية عالية الصوت. إذن أنا أتفهم جيداً هذه المشاعر لدى عامة الناس وقد أتفهم ذات المشاعر إن أصابت أحد أهل الإعلام مقروءاً أو مرئياً فهم فى النهاية بشر، ولكنى لا أستطيع أن أتفهم موقف بعض الإعلاميين الذين يصيبهم حالة اعتزال بين الحين والآخر حسب الظروف.
ودعنا من التورية والتعميم فأنا بالتحديد أتحدث عن اثنين من الإعلاميين النابهين على إحدى الفضائيات الخاصة، اللذين يعتزلان المشهد الإعلامى كل حين وآخر دون كلمة أو تفسير ثم يعودان أيضاً دون كلمة أو تفسير، فقد اختفى برنامجهما مؤخراً دون تفسير من القناة، اللهم إلا عبارة على الحساب الشخصى لاحدهما على تويتر يقول فيه «أوقفت برنامجى احتراماً لكم أما التفاصيل فهى تخصنى وحدى». وربما يتقبل المشاهد هذا الأمر فى الظروف المعتادة فى حياة الأمم فقد يختلف مذيع مع محطة يعمل بها حول أجر أو ظروف عمل أو أى سبب شخصى وهذا يحدث كثيراً، وربما لا يحق فى هذا الظرف سؤال المذيع لماذا لأنه شأن خاص.
ولكن فى مثل هذه الظروف التى نعيشها والدور الذى يقوم به الإعلام فيها سلباً أو إيجاباً وبقوة يصبح اختفاء وظهور الإعلاميين بهذا الشكل المريب، خاصة إذا اقترن بمثل الجملة التى كتبها هذا الإعلامى على حسابه عبر تويتر لا يكون الأمر شخصيا أو خاصا ولا يجب أن نسأل عنه، لأن هذا معناه اتهام على رأس محطة تليفزيونية يشاهدها الملايين وتوجه الرأى العام فى لحظة فارقة فى حياة الأمة، إذن فالأمر يحتاج لإيضاح إما من إدارة القناة أو من المعتزلين ولو مؤقتاً.
الناس فى مصر تجلس كل ليلة أمام الشاشات تتنقل بين المحطات تبحث عن كلمة ربما تعطيها أملا فى خلاص أو تؤكد لهم أنهم على حق فيما يفكرون أو توضح لهم خطأ ربما سمعوه فى الشارع، فنحن فى لحظة الكلمة فيها قد تحرق أو تنجى أمة.
ربما كنت سأتفهم موقف مذيع أو كاتب قرر أن يكون من المعتزلة لفترة متوسطة أو طويلة ويعلن ذلك وأسبابه، ولكنى لا أفهم ولا أتقبل إعلاميا يظهر ثم يختفى بكلمات مبهمة تثير بل تشير بأصابع شك للمكان الذى يعمل فيه، ثم يعود ليظهر ثانية ثم يختفى مرة أخرى وبكلمات مثيرة للشك، ثم يعود لذات المكان الذى قال إنه اختفى منه احتراما للمشاهد. وأتساءل هل يجوز ذلك مهنيا وهل يتوقع منى كمشاهدة هذا الإعلامى أو ذاك أن أحترم وأقدر وأستمع بعد ذلك لما يقول على نفس الشاشة التى شككنى فى مصداقيتها؟؟
أشفق على كثير من الإعلاميين فى هذه الفتنة التى حلت بمصر فمطلوب منهم أن يكونوا كمن يسير على حبل رفيع مربوط بين جبلين ولا أحد يرضى عنهم إلا إذا اتبع هواه، ولكن تلك هى مهنتهم والثمن الذى يدفعونه لظهورهم وتأثيرهم، وكثيرا منهم يسقط من على الحبل إلا من رحم ربى، ولكن حبل هذين الإعلاميين حبل يبدو أنه نوع خاص غير مسبوق وللحق فإن المشهد العام فى مصر لا يحتمل كل هذه الأنواع من الحبال.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة