من حجم الفرح الذى شمل البلاد بعد إعلان فوز محمد مرسى بالرئاسة، يمكن فهم جزء من لغز الشعب المصرى والتعلم منه. فقد فوجئ كثيرون بحجم الفرح فى الشوارع عقب إعلان فوز مرسى. وبدا كثيرون وأنا منهم فرحين حتى لو كانوا ممن يخالفون الإخوان.
أهم عناصر الفرح أنه فرح عام بفوز لمصر لا يهم لمن، وحتى الذين لم ينتخبوا مرسى شاركوا فيه. الشارع كان متعطشا للفرح خائفا من صدام مجهول ورعب نما وترعرع فى أجواء من التوتر والغموض والشحن. وكانت قمة الرعب فى صمت وترقب وشوارع خالية قبل لحظات من إعلان النتيجة. وبعدها بدا الجميع يحتفلون.
مشهد رأيناه كثيرا مع كل فوز لمصر بكأس إفريقيا، فرح بلا بداية ولا نهاية. من احتفلوا أضعاف من صوتوا لمرسى ومنهم من صوت لمنافسه، لكنهم كانوا فرحين جميعا بالرغم من خلافاتهم واختلافاتهم، لم تكن حملة مرسى وحدها التى تحتفل، منهم من فرح لأنه يعتبر مصر كسبت فى طريق الديمقراطية. أو لأنهم نجوا من كارثة بدت فى الأفق.
لم يكن كل المحتفلين إخوان وبعضهم كان يحتفل بخسارة شفيق أكثر من الاحتفال بفوز مرسى. وبعضهم يحتفل حتى من غير أن يسأل عن التفاصيل.
هذا هو الشعب المصرى بلا زيادة ولا نقصان، يعرف أنه باق والآخرون راحلون، سواء كانت سلطة أو حكما أو غزوا أو تسلطا ولم يستخسر الفرح وهو يرى مواطنا عاديا يصل لمنصب الرئيس الذى كان حتى شهور من رابع المستحيلات، يفعلون ذلك حتى وهم غير طامحين فى السلطة.. الشعب جرب هذا كثيرا ورآه كثيرا، وطالما ليست لديه مطامع فى السلطة فهو يراها أمرا زائلا ويكره من يعكر عليه صفو حياته بصعوبتها وآمالها وأحلامها البسيطة. ما يسميها راحة البال.
يفرحون لأنهم ساهموا بطريقة ما فى صنع المشهد، اختلفوا واتفقوا وانتخبوا وانتهى الأمر. والشعب هنا دائما سابق للنخبة التى تفرغ بعضها للانتقام والتشفى. ولهذا كان هناك من أعجب بموقف أحمد شفيق عندما وجه التهنئة للرئيس الفائز وأبدى استعداده للتعاون معه. الشعب المصرى العام يقبل هذا ويقدره، بينما سوف يبقى البعض فى حالة من الانتقام والتشفى. لم أجد لدى كثير من المحتفلين شماتة، أو تشفيا بل تعاملوا على أنها جولة. يختلفون عن النخبة الحائرة المحيرة هى التى تزعم فهم كل شىء ومعرفة كل شىء وتقول الشىء وضده.
النخبة السياسية تتقاتل وتتصارع وتمارس الانتقام والشماتة بينما هناك أغلبية من المصريين لا تحب الشماتة، فرحوا لمرسى ورفضوا منافسه، ولم يشمتوا، ويفعلون ذلك بدون تنظير كثير.
الشعب العام مختلف فى طريقة الفرح والحزن، وحتى نظرته للسياسة أبسط وأكثر وضوحا، احتفلوا بمرسى، وسيعطونه فرصة، وسينتقدونه ويعارضونه، سيفعلون هذا مع غيره دون أن يشعروا بتناقض او رغبة فى التشفى. وهذا هو الشعب العام وهذه فرحته.