ويبقى الحال على ما هو عليه، وليس على المنافقين والمتنطعين مراعاة فروق التوقيت. حتى قبل أن يحلف الرئيس المنتخب اليمين، بدأت فرق النفاق التكتيكى والاستراتيجى فى تنظيم صفوفها، وبدأ حزب النفاق وصناعة الطغيان عمله بدأب، ومعه حزب الاستنطاع من محترفى الأضواء، وصناع المعارك التافهة فى ابتزاز الرجل، لنعرف أن الطغيان والتسلط لا يصنعه الرئيس، وإنما تشارك فى صناعته فرق النفاق وطلاب السلطة. وطبيعى أن النظام لن يتغير مادامت العقليات السياسية تتصرف بنفس الطريقة.
منذ انتهت الانتخابات خرج مجهولون تصوروا أنهم يخدمون الرئيس، وبدأوا فى نشر قصص وشائعات عن تواضع الرئيس وقوته، وقالوا إنه تنازل عن راتبه، وإنه رفض برقية تهنئة من بشار الأسد، وإنه يشترى حاجاته بنفسه. ومع افتراض حسن النية، فقد تم نفى كل ما نشر، والذى أدى لردود أفعال عكسية، وكشف عن أن المنافقين يمكن أن يضروا أكثر مما يفيدون.
نفس الأمر مع أخبار عن أن حزب الحرية والعدالة يتفاوض حول الوزارة ونواب الرئيس، أو أن مكتب الإرشاد يستقبل مرشحين لهذا المنصب أو ذاك، بينما الرئيس نفسه أعلن استقالته من الحزب والجماعة، وأنه رئيس لكل المصريين وليس لحزبه أو جماعته. وما ينشر يغذى شكوكا حول أن الرئيس ليس هو الذى سيحكم، ويسىء إليه أكثر مما تخدمه قصص البقسماط، ومصافحة الحرس، أو التنازل عن راتبه، فكلها قصص كانت تصلح فى السابق، لكنها لا تنفع اليوم.
ثم إن «النفاقوقراطية» لا تتعلق بالرئيس، بل بالمنافقين وماسحى الجوخ، ومن يقدمون أنفسهم للسلطة- أى سلطة- سواء بشكل شيك، مثلما يفعل نجوم الكاميرا، ومن عينوا أنفسهم متحدثين باسم الثورة، أو من رجال وسياسيين ينافقون بفجاجة على الطريقة القديمة.
وقد رأينا الصحف والفضائيات تزدحم بإعلانات التهانى، بنفس ما كان يجرى أيام الرئيس السابق مبارك.. بالطبع فإن الرئيس مرسى غير مسؤول عن التهانى، وقد طلب وقفها، لكن من يذكرون بدايات حكم مبارك يتذكرون أنه طلب وقف أى تهانٍ له فى الصحف، وأنه قضى فترة من حكمه كان متواضعاً يلبس بِدلاً من غزل المحلة، حتى بدأ تداخل المال بالسلطة وشبكات المصالح، وكان هذا بسبب طول سنوات حكم مبارك، ودخول فرق التوريث على الخط، وغياب أى نوع من الرقابة، مما ساهم فى تشكيل النظام المتسلط.
وها نحن نرى فرق النفاق، وطلاب المناصب، ومدّعى الثورية، يتكالبون طلبا لمصافحة الرئيس، أو تهنئته، أو يبتزونه بمطالب مستحيلة، ويدفعونه للتصادم أو يصرحون باسمه. والرجل يقاوم، وعليه أن يبدأ فى إقامة دولة القانون والمؤسسات التى لا تنتظر الرئيس، ليحل أزمة النظافة والخبز وعلاج المواطنين.
دولة القانون والمؤسسات لن تقيمها قصص ساذجة وحكايات مفبركة، ولا تحركات فردية، بل تغيير الذهنية التى ترى النفاق سبيلاً لتخليص الحقوق.
دولة القانون والمؤسسات وتكافؤ الفرص هى التى ستسقط دولة «النفاقوقراطية» وصناع الاستبداد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة