إبراهيم عبد المجيد

المحكمة الدستورية خط أحمر!

الجمعة، 29 يونيو 2012 01:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شهد العام ونصف العام الماضيان انتقادات عنيفة للقضاة، وصلت إلى حد الاحتجاجات أمام المحاكم، وبلغت ذروتها فى المظاهرات التى اندلعت بعد الحكم على مبارك ورجاله، وفى كل الأحوال كان شعار «الشعب يريد تطهير القضاء» شعارا صاخبا فى كل الاحتجاجات والمظاهرات ولا يزال، وللشعار وجاهته بعد ثورة أطاحت برأس النظام السابق وكثير من رجاله، ولا تزال تشتعل من أجل هدفها، وهو الإنهاء على النظام السابق وإرساء نظام ديمقراطى حقيقى يليق بالثورة وبالشعب المصرى.
لاشك أن هناك ثغرات كثيرة يدخل منها الظلم إلى العدالة فى مصر، على رأسها عمل كثير جدا من القضاة مستشارين فى الوزارات والهيئات المختلفة إلى جوار عملهم الرسمى، ومنها الصلاحيات الكبيرة لوزير العدل التى تجعل تدخله فى القضاء أمرا سهلا، ومنها ما جرى فى مؤسسة القضاء، وهو بالمناسبة جرى فى كل الوزارات السيادية، الجيش والبوليس والخارجية، من تحولها إلى شىء أشبه بالضيعة يتم فيها توريث الأبناء العمل بصرف النظر عن مستواهم العلمى أو درجات تخرجهم، فضلا عن حرمان الآخرين، ومنها تعيين المناصب الرئيسية مثل رئاسة المحكمة الدستورية أو منصب النائب العام من قبل رئيس الجمهورية.. وغير ذلك مما شاب هذه المؤسسة التى هى أساس الملك.
والحقيقة أن هذه كلها كانت من نتاج النظام السابق الذى أراد ونجح فى أن يمسك بيده كل الخيوط الهامة فى جميع مؤسسات الحكم. وكما استمر رأس النظام ورجاله فى الحكم رغم تقدمهم فى السن، سمح للآخرين فى المؤسسات القابضة على الحياة بذلك، وكما أراد أن يورث ابنه الحكم تركهم يفعلون ذلك، وهكذا أراد أن يغلق الطريق على هذه المؤسسات القابضة إذا أرادت انتقاده يوما أو الوقوف أمامه، شعار استقلال القضاء يعنى استقلال الوطن.. لا يختلف فى ذلك أحد.. وحتى يحدث ذلك أرى من الضرورى أن أشير إلى أنه وقد صار لنا انتقاد الأحكام والاحتجاج عليها، لابد أن نقف دقيقة أمام المحكمة الدستورية التى يختلف أمرها عن كل المحاكم الجنائية أو الإدارية أو غيرها، المحكمة الدستورية تحكم فى دستورية القوانين، وهى المرجع الوحيد والأكبر للعدالة ومعناها، ووجدت من أجل أن تنتهى عندها الخصومات النهائية العادلة الجديرة بالقانون ومعناه.. فما الذى جرى حتى يتم انتقاد المحكمة الدستورية والانقلاب عليها؟ الذى جرى هو أنه قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة تقرر أن تفصل المحكمة الدستورية بسرعة غير متوقعة فى قانون العزل السياسى الذى أصدره مجلس الشعب، السلطة الحقيقية للتشريع، وفى قانون انتخابات مجلس الشعب نفسه. كان الطعن على قانون انتخابات مجلس الشعب قديما منذ بدأ مجلس الشعب أعماله، لكن لم يبد أن المحكمة قد قررت الفصل فيه، ولا أريد أن أقول تأخرت.. وبدا للجميع أمام الصراع السياسى الذى نعيشه أنه محجوز ليوم معلوم، وصار ذلك واضحا بعد تصريحات الدكتور الجنزورى فى مواجهة مجلس الشعب أن الطعن على قانون الانتخابات فى الدرج يمكن تحريكه فى أى لحظة، وهكذا صار التهديد واضحا، وجعل هذا التهديد الناس تنسى أن قانون انتخابات مجلس الشعب حقا غير دستورى بسبب النسبة بين القائمة والفردى التى لا تحقق المساواة بين الناس، وبسبب دخول أعضاء الأحزاب الانتخابات ضمن النسبة المقررة للفردى، والأحزاب ذاتها هى التى طلبت من المجلس العسكرى ذلك، ونسيت أنها تعطى القط مفتاح الكرار كما يقال. صار واضحا بعد تصريح الدكتور الجنزورى أن السياسة هى التى تتحرك وليس القانون، وصار أيضا واضحا أن التأخر فى نظر دستورية قانون الانتخابات نوع من الكرم من قبل المجلس العسكرى يستطيع أن يتخلى عنه فى أى وقت، وإلا لماذا تتأخر المحكمة الدستورية فى نظر القضايا المرفوعة أمامها على دستورية القانون.. أما قانون العزل فقد حكمت اللجنة العليا للانتخابات بعدم دستوريته قبل أن تحكم المحكمة، أى حين قبلت أوراق أحمد شفيق للترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وكان تحويلها القانون إلى المحكمة الدستورية نوعا من الضحك على الذقون، لأن الانتخابات تمضى فى طريقها، وإذا تأخرت المحكمة الدستورية فى نظر دستورية القانون فلا معنى للنظر فيه إذا نجح شفيق، لأنه سيدخل البلد فى فوضى قانونية وسياسية إذا حكمت بصحة القانون.. وأى رجل بسيط كان يعرف أن المحكمة لن تحكم بدستورية القانون، من الطريقة المتسرعة التى تم بها، والأهم لأن رئيس لجنة الانتخابات هو رئيس المحكمة الدستورية فمن ثم لن يفعل شيئا ضد ما فعله من قبل.. كل ذلك كان من عمل السياسة وليس القانون.. وهكذا فى اللحظة التى تم فيها تقديم موعد انعقاد المحكمة الدستورية لتحكم فى الأمرين، دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب ودستورية قانون العزل، كان كل واحد يعرف أنها ستحكم ببطلان دستورية القانونين، وهكذا رغم بطلان دستورية القانونين بدا حكم المحكمة سياسيا، فهى تتحرك حين يطلب منها ذلك، وتتوقف حين يطلب منها ذلك! وهذا هو المعنى الأكبر للتدخل فى القضاء الذى يجعله أمام الجميع شائها، رغم أنه – فيما يخص المحكمة الدستورية وأحكامها بالذات غير ذلك – ومن ثم فهدف استقلال القضاء عن مراكز القرار هو أكبر هدف يحقق بداية استقلال القضاء، الآن احتجاجات على حل مجلس الشعب، ولو كان قد نظر فى ذلك مبكرا، أو تأخر النظر فيه إلى موعده الطبيعى، ما كانت هذه المعارضة لأحكام المحكمة الدستورية، وعلينا أن ننتبه إلى ذلك. علينا أن نفرق بين حكم المحكمة وما شاب مواعيد عملها، دفعها إلى الإسراع فى الحكم يختلف عن الحكم، وعلينا أن نفرق بين الاثنين.. لا نعترض على الحكم ولكن نعترض على عدم استقلالها فى طريقة عملها، وهو أمر طبعا من ميراث النظام السابق.. طريقة عملها وليس جوهر عملها هو سبب الفتنة. وعلى الذين يعارضون نتائجها أن يعارضوا التدخل فى طريقة عملها، وأن ييسروا لها الاستقلال الذى يليق بالمحكمة الدستورية حصن العدالة الأخير، لا أن يطالبوا بتغيير أحكامها أو إيقافها، وطبعا أنا لا أنفى تقاعس القضاة الأفاضل عن هذا الدور أيضًا، فلا يكفى أن تحكموا بالعدل لكن أيضا تحاربون من أجل ألا يخطط لكم أحد طريقة عملكم، فى هذه اللحظة سيلتف حولكم الجميع.. وأخيرا أيها الباحثون عن استقلال القضاء، ابتعدوا عن أحكام المحكمة الدستورية.. الوقوف أمام أحكامها وعدم الاعتداد بها خراب ما بعده خراب، لا تغركم السياسة والقدرة على الاحتجاج واستغلال براءة الثوار فى الوقوف معكم فى ضرب المحكمة الدستورية.. قانون العزل انتهى وتستطيعون على مهل إصدار قانون غيره لا تغلب عليه العجلة ولا يبدو مخصصا لأحد بعينه، ويكون متسقا مع ما تريده الثورة من إزالة النظام السابق كله، وليس أحدا أو بعض رجاله وقانون أو مرسوم انتخابات مجلس الشعب بقسمة ضيزى بين الفردى والقائمة انتهى، وتستطيعون إعادة انتخابات مجلس الشعب وفقا لقانون جديد يحقق العدالة بين الأفراد. وليس هناك أى مشكلة فى إعادة الانتخابات إلا إذا كنتم تخشون ألا يعطيكم الشعب ما أعطاكم من أصوات، وأخص بالذكر الإخوان المسلمين وحزبهم الحرية والعدالة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة