لا صوت يعلو فوق صوت أحداث فيلم من يكون الرئيس الذى نعيش كل تفاصيله ليل نهار، فالمصريون جميعا يبدوون وكأن حياتهم تتمحور حول أمر واحد، وإن كانت قلوبهم شتى، وأنا منهم، وعادة حين يتكالب علىّ التوتر بشكل عام لا شىء يستطيع أن يقلل من حدة ذلك التوتر إلا الذهاب إلى دور العرض والجلوس فى غرفة مظلمة أمام شاشة مضيئة تنقلنى إلى عالم آخر. ولكن حتى هذه الأحلام بالابتعاد عن الحالة الحياتية السياسية المصرية لم أستطع أن أخرج منها أثناء مشاهدة فيلم المصلحة الذى يقوم ببطولته أحمد السقا مشتركا مع أحمد عز وحنان ترك وزينة وصلاح عبدالله وكندة علوش وأحمد السعدنى والشاب محمد فراج ومن إخراج ساندرا نشأت، وذلك ببساطة بسبب بعض من التعليقات المستهجنة للفيلم من بعض الشباب الثائر على تويتر والفيس بوك إضافة لغضب بعض أعضاء مجلسى الشعب والشورى عن سيناء من هذا الفيلم.
أما غضب الشباب فكان سببه أن بطل الفيلم ضابط شرطة غير فاسد يطارد تاجر مخدرات بعد مقتل أخيه الضابط أيضا، وهى قصة كما رآها الغاضبون تدفع للتعاطف مع ضباط الشرطة الذين يقعون فى خانة العداء مع الثوار، أما نواب سيناء فسبب انزعاجهم أن تاجر المخدرات كما يبدو فى الفيلم هو وأعوانه من سيناء، وهذا بدا لهم وكأنه إساءة لمنطقتهم، إذن وقع فيلم المصلحة بين شقى رحى الثورة والسياسة وأحوالها، والحق أنه مجرد فيلم سينمائى يجب تقييمه فى إطار السينما وليس فى إطار تحليل سياسى فلولى أو ثورى، ويبدو أن الجمهور الذى سانده حتى الآن بعشرة ملايين جنيه رغم ظروف البلد السيئة وظروف الامتحانات هو أبلغ رد يقول أرجوكم اجعلوا خلافاتكم السياسية ومزايداتكم بعيدا عن آخر معاقل الأحلام، السينما وأفلامها.
وعودة إلى المصلحة الذى كتب قصته وائل عبدالله منتجه، فالحق أن السيناريو لا غبار عليه، فهو بلا أخطاء فادحة أو حتى متوسطة، فهو قد أدان طرفى الصراع المنتقم والمجرم، وأنهى الأحداث بالاثنين داخل قفص الاتهام فى شكل جديد على نهايات الأفلام المصرية من هذا النوع، غير أن أغلب مشاكل هذا الفيلم تقع فى شقين، شق خاص بالإخراج من جانب ساندرا ومدير تصويرها اللذين تصورا خطأً أن استخدام الكاميرا المحمولة بكثرة يوحى بالأكشن والتوتر، وهى فكرة صحيحة، ولكن إن زادت عن حدها تنقلب لضدها، وهو ما حدث كثيرا خاصة فى النصف الأول من الفيلم، أما المأزق الثانى فى هذا الفيلم كما فى أغلب أعمالنا الفنية وهو عدم تدريب الممثلين على اللهجة الصحيحة للنطق فى حالة شخصيات قادمة من مناطق فى مصر غير العواصم، مثل ما يحدث فى الدراما مع اللهجة الصعيدية، وكما حدث فى هذا الفيلم مع اللهجة السيناوية، فكل ممثل قام بها حسب قدرته وليس كما هى.. لماذا لا نلجأ كما يفعل أهل السينما العالمية حين ينطق البطل اللهجة الإنجليزية أو الإيطالية كما يجب حتى لو كان من قلب هوليوود، إنه الإتقان الذى نفتقده فى كل مناحى حياتنا.
وعودة للجدل السياسى والمجتمعى الذى يتهم الفيلم بمناصرة وزارة الداخلية المخضبة يداها بدماء البعض، أقول هذا الفيلم تمت كتابته وتصويره قبل الثورة وأتمنى ألا تتحول حياتنا جميعا فى كل لحظة وهمسة وفيلم إلى اتهام، الشرطة فى مصر أخطأت ومازالت، ولكنها ليست الشيطان، ففيهم الفجور والتقوى كما نحن جميعا، وبطل الفيلم جمع بين هذا وذاك فلا تنصبوا له محاكمات، وأهل سيناء فيهم الصالح والطالح، فلا تطلبوا من صناع السينما أن يدفعوا ديون الشرطة ولا ديون نظام همش وقهر سيناء وأهلها طويلا، المصلحة مجرد فيلم ويجب ألا يكون مانفستو الثورة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة