ثمة استمتاع بحالة الفرح المجانى التى تنتاب الجميع الآن بعد أن وقف الرئيس محمد مرسى وحلف اليمين بميدان التحرير، أنصار الرئيس الجديد منتشون بحالة النصر الكبيرة التى حققوها، والكثير ممن انتخبوا مرشحه المنافس الفريق أحمد شفيق رغبة فى الاستقرار أيضا فرحون بمرور الانتخابات بسلام وعدم وقوع اضطرابات، المجلس العسكرى أيضا مبتهج بهذه الحالة وهو الذى يعرف أسرار اللعبة وتفاصيلها، القوى الثورية التى وقفت بجانب مرسى تعد نفسها صاحبة الانتصار الحقيقى وبين لحظة وأخرى يطلع علينا أحد منها ليتباهى بالانتصار بابتسامة واضحة مطالبين الآخرين بـ«التغاضى» عن أى شىء قد يعكر العرس الانتخابى، أحزابنا الورقية هى الأخرى مستمتعة فقد تعودت على التزلف إلى من غلب، الكثير من إعلاميى المرحلة هم الآخرون أدركوا أن الموازين انقلبت فانقلبوا هم أيضا.
الكل يعزف على ذات النغمة «اديله فرصة» الكل يحرض على التغاضى عن أى شىء ربما يشوه الصورة، فيمر الاعتداء بالضرب من أحد قياديى الإخوان على الدكتور سعيد غلاب فى تليفزيون الإسكندرية وسبه هو وتياره الناصرى بأقذع الشتائم دون أن يوجه أحد إلى هذا القيادى كلمة حق، أو يلوم الجماعة بما هى أهل له، ويمر اعتداء صفوت حجازى على البنات فى الميدان بالسب والضرب دون أن نقول له «احترم نفسك» وأن مرسى الذى حشد أنصاره فى التحرير قبل الانتخابات بزعم رفضه للإعلان الدستورى المكمل اعترف بهذا الإعلان حينما حلف أمس اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية، وننسى أننا الآن فى مرحلة خلط المفاهيم وتبديل الآليات وهو ما يجعل التغاضى عن التفاصيل جريمة لا تغتفر.
جانب واحد فقط من دعم مرسى يريده مؤيدوه، وهو أن نصفق له ونحييه ونأتمر بأمره، غير مدركين أننا بهذه الآلية النفاقية العتيدة نعيد إنتاج النظام القديم بأبشع صوره، وأننا وإن كانت هناك بعض البوادر الطيبة فى خطابات مرسى المتعددة والتى تقف حتى الآن عند حدود «الكلام» لابد أن ننتبه بكل حواسنا إلى ما يدور حولنا لأن الانتشاء بالانتصار والنوم فى عسل الغفلة كفيل بأن يجعل أعدل الناس أظلمهم.
فى زحمة الأحداث أيضا ننسى ما تعهد به الرئيس مرسى بتولية الحكومة لشخصية وطنية مستقلة كالدكتور محمد البرادعى، وننسى أيضا أن الجماعة لم تنتظر حتى تعرض الحكومة على شخصية وطنية ليشكلها وبدأت بذاتها فى تشكيل الوزارة ليصبح رئيس الحكومة القادم سكرتيرا للرئيس مثلما كان، وننسى بالمرة أنها حتى الآن لم تعرض الوزارة على «البرادعى» وننسى أيضا أن الجماعة رفعت حصتها فى الوزارة القادمة من «مقعدين» إلى %20 من المقاعد، ثم إلى %30 ثم إلى %50، وننسى أن اللجنة التأسيسية للدستور الذى وعد به «مرسى» تضم فى داخلها من يحتقر النشيد الوطنى.
ليس هكذا تبنى الديمقراطيات، وربما يكون «مرسى» رئيسا طيبا حقا، لكننا بهذه الطريقة المضللة نصنع منه إلها جديدا، وهكذا وبدون أن ندرى نصنع فرعونا جديدا، وهكذا تصبح الشعارات فخا، يصبح المجموع سوادا و«ارفع راسك فوق أنت مصرى» تتحول إلى «ارفع راسك فوق ويا مرسى» لنلغى «مختارين» شرف الانتساب إلى مصر، ونذوب فى حاكم لم نر منه حتى الآن إلا كلاما واستعراضا، وهكذا نصنع الطواغيت يوما بعد يوم، وهكذا نبارك «بوعى أو بدون» زواج الدولة من فرد سرعان ما يتحول إلى فرعون جديد قديم.