لم أكن أتمنى أن يسافر الفريق أحمد شفيق فى هذه الظروف الملتبسة، وبهذه الطريقة الدرامية، تاركا وراءه سحبا كثيفة من الشائعات٠٠ بقاؤه كان ضروريا ليعطى لمؤيديه رسالة ثقة وطمأنينة، بأن مصر ترسخ معالم دولة القانون، وأنه لن يكون هدفا لأيه إجراءات انتقامية أو تصفية حسابات، ولن يدفع فاتورة هجومه الضارى على الإخوان فى المعركة الإنتخابية٠
وتصورى أن شفيق لن يعود إلى مصر إلا إذا إطمئن أنه لن يكون "كعب داير" فى أكثرمن أربعين بلاغا أمام قاضى التحقيق، ولو استغرق كل بلاغ عشر ساعات، فمعنى ذلك أن التحقيقات لن تنتهى إلا وهو على مشارف الثمانين من العمر، وأنه سيقضى السنوات العشر القادمة فى تجهيز أوراق ومستندات وأضابير مضى عليها عشرات السنين٠٠ وسيكون حظه تعيسا إذا تم منعه من السفر، وستكون أيامه أكثر سوادا إذا تم حبسه أربعه أيام، ثم أربعة شهور، ثم أربع سنوات، وقد يقضى بقيه عمره فى السجن٠
تصورى أن شفيق لن يعود إلى مصر، إلا إذا اطمئن هو نفسه، بأنه لن يؤخذ ببلاغ كيدى أو بضغوط متظاهرى التحرير، وأن العدالة الناجزة وروح القانون هما السبيل لإبراء ساحته أواتهامه، وأنه لن يتعرض للاغتيال السياسى والمعنوى والتشهير، ولن تدق خلفه طبول التجريس، فتصم الآذان عن أن تسمع شيئا إلا صيحات الغضب والانتقام٠٠ وما أقسى على رجل يتصور أنه خدم بلده أن يجد نفسه فى دائرة الشبهات، تطارده مدفعية البلاغات الكثيفة، وتلاحقه شعارات الشماته: "يا فاسد" أو "الشعب يريد إعدام الفريق"٠
تصورى أن هذا السيناريو الذى أتخيله، قد يكون مر كشريط سينمائى أمام الفريق شفيق، ولم يجد من يطمئنه على نفسه، فكيف يطمئن هو الآخرين٠٠ فالملفات المفتوحة كالقبور المغلقة، التى لو نطقت فلن ينجو من لعنتها إلا الذين يجلسون الآن على مقاعد السلطة، ويحتمون بسيفها٠٠ فآثر شفيق الهروب من المجهول، حتى يتبين الخيط الآبيض من الأسود، ويتضح المسار الذى تمضى فيه سفينة الوطن٠٠ إما لإعلاء شأن دولة الدستور والقانون والمحاكمات العادلة.. أو لإرضاء الشهوات الانتقامية ومحاكمات الشوارع ومشانق ميدان التحرير، وغيرها من الوسائل التى تدوس تحت أقدامها العدالة العادلة٠
رغم ذلك، ورغم الضعف الإنسانى الذى يسيطر على منافس شريف كان على أعتاب القصر٠٠ فلست أؤيد مطلقا سفر شفيق بهذه الطريقة الدرامية٠٠ وأتمنى أن يكون تحليلى مجرد تخيلات يثبت عدم صحتها، ويعود شفيق إلى أرض الوطن، ليستكمل مشواه السياسى، ويطمئن خصومه ومعارضيه، قبل أنصاره ومؤيديه، بأن مصر لن تعود أبدا إلى الوراء، ولن تصبح جمهورية الخوف، وأنها على أبواب مصالحة شاملة، قوامها قضاء عادل يضرب الفساد، ودولة واثقة تبنى الأمجاد.
أتمنى آن يكون مثل هذا السيناريو محض خيال، وأن يقطع الفريق شفيق الشك باليقين ويعود الى أرض الوطن، فاتحا صفحة بيضاء مع العهد الجديد، لأن الحكم لن يستقر إلا بمعارضة قوية، تنهى أسطورة الزعيم الملهم والحزب الواحد والأغلبية الكاسحة، وتفتح الباب على مصراعيه لديمقراطية حقيقية، تقوم على التداول السلمى للسلطة، عن طريق صندوق الانتخابات، وتحمى البلاد من الانفجار٠
ديمقراطية حقيقية تعبر بصدق وواقعية عن كل ألوان الطيف السياسى، وتقوم على المشاركة وليس الإقصاء، المصالحة وليس الشجار، الترغيب وليس الترهيب، وتكبح جماح الصقور الجائعة المتعطشة للأشلاء والدماء٠٠ ديمقراطية تبدد المخاوف من حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين، وأنهم جاءوا ليحكموا وليس لينتقموا، وأن التهديدات التى يتحدث عنها بعض قياداتهم، يجب أن تكون لمد الجسور وليس لتصفية الخصوم٠
فى اعتقادى أن شفيق ليس وحده الذى يحتاج إلى الطمأنة، بل غالبية المصريين.