عودة مجلس الشعب سياسة، وليست قانونا يؤكده وجود اختلافات بين قضاة وفقهاء، بعضهم يراه دستوريا قانونيا يتعلق بقرار إدارى، والبعض يراه عدوانا على القضاء. هى خلافات سياسية، يغلفها القانون. ومعروف أن بحر القانون واسع، وتفسيراته نسبية.
وأخطر ما رأيناه فى جدل قرار الرئيس، أننا رأينا قضاة خرجوا ليعلنوا تأييد القرار، أو رفضه، وهو تسييس، ينقل فيروس السياسة إلى القضاء.
ونرى خبراء جاهزين لتبرير كل موقف، وتفسيره حسب مقاس السلطة، وقد رأينا «ترزية القوانين» فى عهد مبارك، يبررون كل القرارات، بل إنهم زينوا لمبارك التلاعب فى الدستور.. وهو الخطر الحقيقى من آراء سياسية تتخذ شكلاً قانونياً. مثلما يجرى فى الموقف المؤيد والرافض لقرار عودة مجلس الشعب.
قرار الرئيس بإعادة مجلس الشعب سياسى، مثلما كان الحل سياسياً. خاصة فى التوقيت، حتى لو كان يحمل شكلاً قضائياً. والأسهل أن يعلن من يؤيد قرار الرئيس بأنهم يؤيدون مرسى سياسياً، ويرون أهمية لعودة السلطة التشريعية. ويقولون إن الرئيس سلطة أعلى من المجلس العسكرى، وهو رئيسه، وأنه فعل ما فعله المجلس العسكرى عندما كان فى السلطة.
من دون أن يتجاهلوا أن هناك حكماً قضائياً هو الأصل، وأن الرئيس سلطة أخرى غير سلطة القضاء. حتى لايكون هناك من يدافع عن الاستبداد فى مواجهة استبداد.
والسياسة هى التى تجعل النظر للآراء ارتباطا بمصالح، بين فريقين، منهما فريق يرى نفسه الأحق بالوجود، ويقدم نفسه للنظام الجديد. وهى مساع يعتبرها أنصار السياسة مشروعة، ويرفضها المثاليون.
الغاية تبرر الوسيلة فى السياسة و«اللى تغلب به العب به»، وهى التى يمكنها تفسير التناقض الكبير فى الآراء بين فقهاء الدستور والقانون، يبدو فيه كل شىء نسبيا.
نحن أمام طرفين كل منهما له موقف مسبق معروف سلفاً. يصدر حكما مع أو ضد ثم يبحث عن حيثيات، وهو ما يؤدى لإهدار القانون، لصالح السياسة.
ووسط التزاحم والآراء التى يطلقها مؤيدو أو ألتراس كل طرف، تتوه آراء ومواقف حقيقية وسياسية. وليس بالضرورة كل من يؤيد قرار الرئيس مرسى أو يرفضه انتهازيا. سياسياً من الطبيعى أن يدافع الإخوان وحزبهم عن قرار الرئيس، وهم ليسوا فى حاجة لتزيين آرائهم بالحديث عن القانون. لكنا نرى بعض مؤيدى القرار من غير الإخوان يفعلون ذلك نكاية فى المجلس العسكرى، وبعض معارضيه يفعلون ذلك خوفا من الإخوان، الذين ينتسب لهم الرئيس والأغلبية فى البرلمان.
الخلاف سياسى، يكشف عن استمرار المخاوف، وغياب الثقة. وتعارض المصالح، الذى قد يكون جزءاً من عملية سياسية طبيعية، تبدو فيها الصراعات خشنة. بينما هى متفق عليها. السياسة تفسر تحالف الأضداد. وتستبعد التصادم بين الرئيس والعسكرى. لكن الخطر هو التشكيك فى القضاء، أو تسييسه، لأنه يعيد ظاهرة ترزية الاستبداد. بينما استقلال حقيقى للقضاء هو الضامن لفصل واضح بين السلطات يمنع إعادة الاستبداد.